بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد قال الله تعالى في بيان حال الإنسان “لتركبن طبق عن طبق” أي تركبن حالا بعد حال، فهذه حال كل واحد منا أنه متقلب في أحوال شتى في حياته منذ أن خلقه الله إلى ما ينتهي إليه حاله من المستقر في الجنة أو النار، هو في أحوال وأطوار فهو في مهد لا حول له ولا قوة، ثم يشتد عوده ويبلغ أشده، ثم ما هي إلا سنون وأعوام حتى يصير إلى الضعف مرة أخرى في شيخوخة ثم هرم ثم إلى غير ذلك من الأحوال، فكبر السن أيها الناس وضعف قوى الإنسان من موجبات الرحمة والعناية والرعاية، ولذلك كان بر الوالدين في الكبر من آكد صور البر ومن أفضل الأعمال، فإن الشيخوخة سبب للرحمة وسبب للعناية والرعاية، فإذا كان والدا فإن حقه في حال الشيخوخة أعظم من حقه قبل ذلك، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، عظيم الإحسان إلى أهل السن المتقدم ممن تقدمت سنهم على أي حال كانوا، فكان صلى الله عليه وسلم يكرمهم ويتلطف بهم.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على جلالة قدره، وعلو مكانته يعلمنا كيف يكون إجلال الكبير وتوقيره، ومؤانسته، وملاطفته، وروى الإمام احمد أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه جاء بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يسلم بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الذي جاء بأبيه وقد كبرت سنه، ووهن عظمه، قال “لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه” أي لو تركته في مكانه نحن نأتيه على أنه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وجاءه الرجل مسلما ومع ذلك يقول”لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه” ثم دعاه صلى الله عليه وسلم للإسلام فأسلم، وإن كبر السن مظنة الضعف في البنية والنفس، فكبير السن ضعيف في بنيته، وضعيف في نفسه، وكل شيء يؤثر إليه من الإساءة والإحسان، فلذلك ينبغي أن يبادر الإنسان إلى المداراة.
وإلى حسن التأتي مع الكبار حتى يحقق لهم شيئا من السكن الطمأنينة والإحسان الذي يدرك به رحمة الرحمن جل في علاه، فإن هذه السنة، وهي الرحمة بالضعفاء والقيام على ذوي الحاجات مما جرى عليه عمل أهل الإسلام، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو خليفة كان يخرج في سواد الليل فيدخل بيتا فقال طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه “فلما أصبحت ذهبت إلى ذلك البيت فإذا عجوز عمياء مقعدة، فقلت لها ما بال هذا الرجل يأتيكم؟ فقالت إنه يتعاهدنا مدة كذا وكذا، يعني منذ زمن ذكرته بعيد لا تذكره، يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى فقلت لنفسي ثكلتك أمك يا طلحة، أعثرات عمر تتبع” فهذا عمر رضي الله تعالى عنه يتعهد عجوزا عمياء في سواء الليل يقوم على شأنها إصلاحا وتعاهدا بقضاء حاجتها وهي لا تعرفه، لكن الله يعرفه، وهذا أبو بكر الصديق كان يتعاهد امرأة وابنتها بشيء من حلب شاتهم.
فولى الخلافة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يعرفون أنه أبو بكر، فقالت البنت الصغيرة لأمها” الآن لا يحلب لنا أي بعد أن تولى الخلافة، الآن لا يحلب لنا فقال رضي الله تعالى عنه بل لأحلبنها لكم وأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه” أي لا يغيرني ما توليت من ولاية عظمى عن أن أقوم بشأنكم وأسير على ما كنت عليه من صالح العمل، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم حثنا على هذا الخلق الكريم، ورغبنا فيه، فأولا يبين لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن من أحسن إلى الكبير في الدنيا هيأ الله لذلك المحسن عند كبر سنة، ورقة عظمه من يجازيه بهذا العمل الصالح، فيقول صلى الله عليه وسلم “ما من مسلم يكرم ذا الشيبة، إلا قبض الله له من يكرمه فى سنه” فإذا أكرمت ذا الكبر لسنه قيض الله لك في حياتك من يجازيك بمثل ما عملت، فيكرمك ويحسن إليك، فلقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين.
بعثه برسالة شملت مصالح الناس في دينهم ودنياهم، كانت رحمة على البشرية لم يطرق العالم نظيرها وشبيهها، رحمة عمت كل أحد، فقال الله تعالى “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” وكان من صفات صاحبها الذي جاء بها ما قاله الحق جل في علاه ” محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم” فصفته الرحمة، فقال تعالى ” لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم” وقد جعل الله تعالى ذلك خصلة وصفة لمن آمن به كما قال تعالى ” رحماء بينهم” فالرحمة أيها المؤمنون هي من خصال أصحاب الميمنة الذين عظم الله شأنهم، وفخم أحوالهم فقال تعالى ” ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنه” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الراحمون يرحمهم الرحمن” ثم قال صلى الله عليه وسلم ” ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء”