بقلم / محمـــد الدكـــروري
سبحان الله العظيم فإنه إذا ما أذن الله بقيام الساعة واضطربت الأرض وانطمست النجوم وكورت الشمس وسيرت الجبال، واختل نظام الكون عندها يتتابع الشهود بعضهم وراء بعضهم، ويظهر للعبد ما لم يكن يعهده من قبل وما لم يكن بحسبانه، وأعظم الشهداء يوم المعاد على العباد هو ربهم وخالقهم وفاطرهم سبحانه، الذي خلقهم، ولا تخفى عليه خافية، فيقول تعالي في سورة يونس ” ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه” ويقول تعالي في سورة النساء “إن الله كان علي كل شيء شهيدا ” وأي شهادة أعظم من شهادة الله على عبده وأمته، ويقول تعالي ” قل كفي بالله شهيدا” ويقول تعالي ” ومن أصدق من الله قيلا” ويقول تعالي ” ومن أصدق من الله حديثا” ولكن الله يحب الإعذار إلى خلقه.
وأن تقوم عليهم الحجة والبينة فيبعث شهداء إضافيين، ويقول تعالي ” وكفي بالله شهيدا” ولكن زيادة في إقامة الحجة، فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل، أحسن الله له الجزاء في الدارين، ومن مال مع شهوات النفس، ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء” مادام وقد عرفنا الغاية التي خُلقنا من أجلها وهي عبادته تبارك وتعالى في هذه الحياة, وأن الله تبارك وتعالى مطلع على أحوالنا وأعمالنا, لا تخفى عليه خافية فقال الله تعالي في سورة آل عمران ” إن الله لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء” وقال تعالي في سورة غافر ” يوم هم بارزون لا يخفي علي الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار” وإن من نعم الله تبارك وتعالى علينا هي نعمة الجوارح, ونعمة العافية.
إذ الواجب على الإنسان أن يستعمل جوارحه في رضا الرحمن, لكن إذا سخرها في معاصي ربه تبارك وتعالى فستعود عليه بالندم, فقال الحافظ الإمام ابن حجر رحمه الله تعالى “من علم أن الله يراه حيث كان وأنه مطلع على باطنه وظاهره, وسره, وعلانيته, واستحضر ذلك في خلواته أوجب له ذلك ترك المعاصي في السر, وإلى هذا المعنى الإشارة في القرآن بقوله تعالى تعالي في سورة النساء ” واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا” وكان بعض السلف يقول لأصحابه زهدنا الله وإياكم في الحرام, زهد من قدر عليه في الخلوة فعلم أن الله يراه فتركه من خشيته, أو كما قال, وقال الشافعي أعز الأشياء ثلاثة، الجود من قلة, والورع في خلوة, وكلمة الحق عند من يرجى أو يخاف.
وكتب ابن السماك الواعظ إلى أخ له، أما بعد أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك ورقيبك في علانيتك, فاجعل الله من بالك على كل حال في ليلك ونهارك, وخف الله بقدر قربه منك, وقدرته عليك, واعلم أنك بعينه ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره, ولا من ملكه إلى ملك غيره, فليعظم منه حذرك وليكثر منه وجلك والسلام, قال أبو الجلد، أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء قل لقومك ما بالكم تسترون الذنوب من خلقي وتظهرونها لي؟ إن كنتم ترون أني لا أراكم فأنتم مشركون بي, وإن كنتم ترون أني أراكم فلم تجعلوني أهون الناظرين إليكم؟ وكان وهب بن الورد يقول خف الله على قدر قدرته عليك, واستحي منه على قدر قربه منك, وقال له رجل عظني فقال له اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك.
وكان بعض السلف يقول أتراك ترحم من لم يقر عينيه بمعصيتك, حتى علم أن لا عين تراه غيرك, وقال بعضهم ابن آدم إن كنت حيث ركبت المعصية لم تصف لك من عيني ناظرة إليك فلما خلوت بالله وحده صفت لك معصيته, ولم تستح منه حياءك من بعض خلقه, ما أنت إلا أحد رجلين إن كنت ظننت أنه لا يراك فقد كفرت, وإن كنت علمت أنه يراك فلم يمنعك منه ما منعك من أضعف خلقه, لقد اجترأت، دخل بعضهم غيضة ذات شجر فقال لو خلوت ههنا بمعصية من كان يراني فسمع هاتفا بصوت ملأ الغيضة ” ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير” كما جاء في سورة الملك، وقيل أنه راود بعضهم أعرابية وقال لها ما يرانا إلا الكواكب, قالت أين مكوكبها؟ وقيل رأى محمد بن المنكدر رجلاً واقفا مع امرأة يكلمها فقال إن الله يراكما, سترنا الله وإياكما.