بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن المتأمل إلى كل العوامل التى قامت عليها الحضارات والأوطان يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم جمعها في أسس ثلاث فمنها تتفرع وإليها ترجع وتعود، وإن من العوامل القوية التي اعتمد عليها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في بناء الحضارت، هو بناء الإنسان أولا فإنه مقدّم على بناء العمران فى عقيدة والإيمان، وبناء الإنسان يأتي من البناء العقدي والإيماني الصحيح لا المغشوش، فهناك تدين مغشوش، تدين الدروشة، فهو تديّن المصلحة، وتدين الظروف، وتدين التلون، وتدين القشور والمظهر لا اللباب والمخبر، وكذلك أيضا بناء الإنسان تعبديا حيث تصحيح مفهوم العبادة في حياة الإنسان، والعمل على بنائه أخلاقيا وقيميا، وكذلك بناء وحدة الصف المجتمعي لا تقسيمه وتشتيته والتصالح لا التنازع، فإن المجتمع الذي يتمزق فيه عُرى الأخوة والوحدة يكون عُرضة للعنف والشتات والتدخل الخارجي فلا بد من وحدة الصف بين أبناء المجتمع الواحد.
كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في أول قدومه إلى المدينة الطيبة، فقد آخى بين المسلم والمسلم أخوة إنسانية ووطنية وإسلامية، كما آخى بين المسلم وغير المسلم أخوة إنسانية ووطنية، فاستطاع صلى الله عليه وسلم أن يحفظ الوطن في أول عهد تأسيسه، فيقول الله تعالى فى سورة آل عمران ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا” وكما قال البعض عن الإسلام إنه إسلام يقيم المجتمع على أواصر الإخاء والوحدة بين أبنائه، فلا مكان فيه لصراع الأجناس، ولا لصراع الأديان، ولا لصراع الطبقات، ولا لصراع المذاهب، فالناس كلهم أخوة، تجمع بينهم العبودية لله، والبنوة لآدم “إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد” واختلافهم واقع بمشيئة الله تعالى وحكمته، وهو يفصل بينهم يوم القيامة، فيما كانوا فيه يختلفون” فإنه يتفق الناس على القواسم المشتركة، ويتعاونوا من خلالها، وإن اختلفوا في أمور أخرى، وإن رفعة الأمم وتقدمها مربوط بحجم عطاء.
وعمل أبناء الشعوب والأوطان في تلك الأرض، ولا ننسى ما فعله ذو القرنين من تغيير ثقافة شعب كسول خامل عن العمل، كما ورد في سورة الكهف، وماذا كانت نتيجة حركتهم وبذلهم وعطائهم ولقد عنيت آيات الكتاب المجيد بذكر ما أمر الله به في نصوصه المقدسة الراقية، ومن بين الأوامر قوله تعالى فى سورة التوبة ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهاده فينبئكم بما كنتم تعملون” وتلك القيمة توفرت وبقوة مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا عبدالرحمن بن عوف، قال لسعد بن الربيع دلني على السوق، إنها دعوة للتميز والاستقلالية لا التبعية للآخرين، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قرر مع بدايات هجرته ببناء سوق للمسلمين، بديلا عن سوق اليهود، لئلا يكون تبعا لهم، وأن يكون متميزا في معاملته التجارية بما يتناسب وشريعة الإسلام، وكما يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله.
من لم يكن طعامه من فأسه، فلن يكون قراره من رأسه، وإن الناظر في القرآن المجيد يكتشف أن الإسلام قد اهتم بالبذل والعطاء للبشرية والمجتمعات، وحفز الهمم نحو الإنتاج والتنمية بكافة نواحيها، لا سيما التنمية الاقتصادية، القائمة على الاستثمار، استثمار الجهود، والطاقات، والأموال، والماده الخام، كما حدث في نموذج ذي القرنين حين أتى قوما سلبيين لا يعملون ولا يتحركون، فحرك هممهم، ووظف طاقاتهم، وعلمهم أن بالتعاون والتشارك تبنى الأمم وتحصّن من أي عدو غاشم، فبنى السد بينهم وبين يأجوج ومأجوج، وكم في هذه القصة من الدروس والعبر، ففيها حُسن استخدام الإمكانات المتاحة، وحُسن توظيف الطاقات البشرية قبل المادية، وضرورة وجود إدارة متعاونة لا مستبدة، والعمل على إيجاد فرصة للتعبير والتحرك للمصلحة العامة، ويبقى العمل مع الإنسان إلى آخر لحظة في حياته، فمهما كانت ظروف الدنيا فلا أقل من العمل.
والعطاء والبذل والاجتهاد، وإنها دعوة لحُسن استغلال كل المواد الخام وتوظيفها بطريقة ترفع قدر الأمة والمجتمع الإسلامي، وكما يقول الشيخ الغزالي رحمه الله الناس رجلان، رجل نام في النور، ورجل استيقظ في الظلام، وهو نموذج لمن استغل كل ما تحت يديه، وآخر نام في النور الذي يملكه، فلا بد من بث الأمل، وتثقيف الناس جميعا بأن من وراء الشدة يأتي الفرج القريب، وأن مع العُسر يأتي اليُسر، وتلك هي رسالة كل الأنبياء والرسل، وهذه رسالة لكل ولي أمر ولكل إنسان أن يعمل على بث الأمل مهما كانت الظروف المظلمة، وكما يقول بعضهم لن تكون قمرا منيرا إلا إذا أحاطتك الظلمة من كل مكان، ويقول تعالى لنبيه موسى وهو في مصر حفظها الله ” وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبؤا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين” فأمره ربه ببث الأمان بجعل بيوت المصريين قبلة لمن أراد الأمان.
وأمره كذلك ببث البشرى والأمل، ومن بث الأمل إزالة الضرر عن الناس في المجتمع، فالمسلم الحقيقي هو من سلم الناس من لسانه وأذاه، أقول هذا الكلام لأن الأمم لا تبنى باليأس، ولا تتقدم بالتشاؤم، ولا تنافس غيرها ببث الخوف والرعب بين المنسوبين أو الزائرين للمجتمع، وأيضا بناء منظومة القيم والأخلاق.