بقلم / محمــــد الدكــــروري
إن كل عبارات الشكر لا يمكن أن تعبر عن مدى التقدير والإحترام إلي معلمنا الجليل، فشكراً لك يا معلمنا لأنك لم تبخل علينا بأي معلومة ولم نشعر يوما بشعورك بالضيق رغم متاعب مهنتك السامية، ويا أيها المعلم الفاضل مهما ابعدتنا الأيام والمسافات سوف يظل حبنا وتقديرنا لك ساكنا في قلوبنا متمسك في مشاعرنا، فقد قال يعقوب بن إسحاق الهروي، عن صالح بن محمد الحافظ سمعت هشام بن عمار، يقول دخلت على مالك، فقلت له حدثني، فقال اقرأ، فقلت لا، بل حدثني، فقال اقرأ، فلما أكثرت عليه، قال يا غلام، تعالى اذهب بهذا، فاضربه خمسة عشر، فذهب بي فضربني خمس عشرة درة، ثم جاء بي إليه، فقال قد ضربته، فقلت له لم ظلمتني؟ ضربتني خمس عشرة درة بغير جرم، لا أجعلك في حل.
فقال مالك فما كفارته؟ قلت كفارته أن تحدثني بخمسة عشر حديثا قال فحدثني بخمسة عشر حديثا، فقلت له زد من الضرب، وزد في الحديث، فضحك مالك، وقال اذهب ” ومن بديع ما يروى في طلب العلم أيضا ما حكاه أهل السير عن الإمام الأعمش رحمه الله ” قال عيسى بن يونس خرجنا في جنازة، ورجل يقوده، فلما رجعنا عدل به فلما أصحر قال أتدري أين أنت؟ أنت في جبانة كذا ولا أردك حتى تملأ ألواحي حديثا، قال اكتب فلما ملأ الألواح رده، فلما دخل الكوفة دفع ألواحه لإنسان، فلما أن انتهى الأعمش إلى بابه، تعلق به وقال خذوا الألواح من الفاسق، فقال يا أبا محمد قد فات، فلما أيس منه، قال كل ما حدثتك به كذب، قال أنت أعلم بالله من أن تكذب ” وإن من فضائل العلم وبركاتة.
أن القرآن الكريم لم يقبل مجرد المقارنة بين أهل العلم وفاقديه على الإطلاق وعد ذلك قياسا مرفوضا، وبالعلم يُعبد الله على بصيرة وتقى ويقضى الناس في الدنيا مآربهم على ضياء من أحكام الشرع الكريم، وبالعلمِ يقيمون مراسيم حياتهم في زواج أو تجارة أو جيرة أو شراكة بحيث يعرف كل منهم ماله وما عليه، وقبل هذا كله فالعلم هو طريق المعرفة للاعتقاد في رب الأرباب سبحانه وتعالى، ولاهتمام الإسلام بالعلم فقد جاءت أول آيات القرآن أمرا بالقراءة والتعلم، وأقسم الله تعالى بالقلم وهو من أدوات العلم وذلك لبيان فضله وعلو رتبته، ولفضل العلم وكرامته، فقد طلب سيدنا موسى عليه السلام من العبد الصالح صحبته لغرض التعلم، ولم يجعل كليم الله عليه السلام لنفسه في الطلب رتبة.
لما جعل نفسه تابعا وذلك التلطف مع نكران الذات لأجل التعلم، وأخبر الله تعالى أنه آتى كليمه موسى عليه السلام نور العلم، وزين الله تعالى به نبيه الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب عليهما السلام، وأخبر في معرض المن بالفضل على نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا لم يؤمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بطلب الزيادة في شيء كالعلم، ولفضل العلم في حياة الخلق نجد أنه لا يحمله إلا كرام الناس وأهل الأمانة، ومن فضل العلم أنه هداية للصراط المستقيم الذي لا عوج فيه، وأهل العلم هم أهل البصائر يرون ما يراه الناس، وأهل العلم أيضا هم أهل الخشية من الله تعالى، وهم كذلك أهل الشهادة مع مولاهم والملائكة الكرام، وهم أيضا أهل الخيرية كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
وطريق طلاب العلم هو طريق الجنة ونعيمها في الدنيا والآخرة ومع ذلك فإن مجالس العلم مظنات السكينة والرحمة وتنزلات الملائكة، ولا شك أن أثر الجهل في حياة الخلق مميت ماديا ومعنويا، ومن المواقف التي تبين ذلك ما حدث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يدمر المرء عبادته بجهله إذا لم يركن إلى العلم الذي يحفظ عليه دينه، ولهذا جاءت الوصايا بالتعلم، والأمة الجاهله تضيع مجدها وتزري بقيمتها بين الأمم، ومهما حقق الناس والأمم والأفراد من مرابح دنيوية في جوانب المال، والمناصب والنفوذ والصيت الاجتماعي مع فقد العلم الذي يكسب الأدب والود الصادق مع أفراد المجتمع فإن هذا المجد الكذوب يؤذن على الدوام بوداع، والمسألة تعتمد على الوقت في بيان هذه الحقيقة.