روح الإيمان بالله


بقلم / محمــــد الدكـــــروري

إن هذه الحياة الدنيا لا يستقر حالها على سعة ورخاء دائم، وإنما هي إبتلاء وإمتحان، وفرج وشدة، وكل إنسان في هذه الدنيا تمر به محن وبلايا، ومصائب ورزايا، بينما هو في رخاء إذ نزلت به شدة، وبينما هو في عافية وسعة إذ فجأه مرض وسقم، أو لعله كان في سعة رزق ورخاء ثم يبتلى بفقر مدقع أو دين مضلع، فإنها آلام تضيق بها النفوس، ومزعجات تورث الخوف والجوع، وإن استيلاء روح الإيمان بالله تعالى على المجتمع، وتأثير العبادات الإسلامية لله تعالى في أفراده، وتحلي هؤلاء الأفراد بصفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي جعلها الله عز وجل من صفات الأمة الإسلامية كل ذلك يستأصل شأفة الجريمة، وجذور الشر والعدوان، ويجعل الجرائم قليلة جدا، وإذا ما زلت قدم إنسان بجريمة مهما عظمت، فإن الشريعة المطهرة تفتح أمام هذا المجرم ضياء مملوءا بالأمل المشرق بالحياة النظيفة السليمة البعيدة عن الجرائم.

ذلك الضياء هو التوبة، فالتوبة هي الأسلوب السامي الذي يرتفع بالمنحرف عن مستوى المعصية إلى المستوى الكريم الملتزم بطاعة الله عز وجل، وإن الجريمة ليست مع وجود التوبة شيئا يلصق بالإنسان ثم لا يجد فَكاكا منه، فليس في الإسلام ذنب يلتصق بالإنسان، وإن التوبة تجب ما قبلها، وإن الله يحب التوابين، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وترك فيهم وصية خالدة تريح النفوس، وتهدئ المجتمعات وتضمن العدالة وسمو المكانة والاستقرار لمن اتبع ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم “تركت فيكم أمرين لن تظلوا بعدي ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي” ففيهما المخرج من كل معضلة، وفيهما الحل لكل مشكلة، وفيهما هدوء البال، وراحة الضمير، والراحة من كل قلق، وفيهما الرابطة القوية بالله عملا وبشرعه منهجا وسلوكا” وإن المؤمن مطالب بالسعي الدؤوب للمساهمة في حل المشكلات.

وتذليل الصعوبات والاهتمام بأمر المسلمين والمبادرة في اعمال الخير والاصلاح، وتضييق هوة الخلاف بين المتنازعين وتوفير المناخ الملائم للتصافي النفسي والتآلف الاجتماعي، وإن قيم الإسلام الأخلاقية من كظم الغيظ والعفو والتسامح والصفح الجميل، كلها قيم ضرورية لتحقيق الإصلاح بين الناس وإقامته على أصول قوية، لأن ذلك من شأنه أن يخفف من حدة الخصومة ويهيئ النفوس للتراضي والتصافي وجلب العواطف الإنسانية من كوامنها، واستدعاء نوازع الخير في نفوس المؤمنين وقد حضنا ديننا الحنيف على ذلك، وإن الإيمان بالله عز وجل بوجوده، وبعلمه الواسع الذي لا يُحدّ، الإيمان العميق الذي يتغلغل في أعماق النفس، والإيمان بقدرته العظيمة، وباستيلائه العظيم، وبعقابه الشديد، وحسابه السريع، إن هذا الإيمان إذا غمر صدرا لا يمكن لصاحبه بحال من الأحوال أن يقع في الجريمة،و لقد عبّر عن هذا المعنى أدق تعبير.

قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن” رواه البخاري، ومسلم، فقد جاء رجل مُسرف على نفسه إلى رجل من الصالحين، فقال له إني أريد التوبة ولكن نفسي تغلبني فلا أستطيع، قال له الرجل الصالح إذا أردت أن تعصي الله، فلا تأكل من رزقه، قال فمن أين آكل وجميع ما في الأرض من رزقه؟ فقال وإذا أردت أن تعصيه، فلا تسكن في بلاده، قال إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له، فأين أسكن؟ قال إذا أردت أن تعصيه، فانظر موضعا لا يراك فيه مبارزا له فاعصه فيه، قال كيف يمكن هذا وهو مطلع على السرائر، يعلم خائنةَ والأعين وما تخفي الصدور؟ قال إذا أردت أن تعصيه، فقل لملك الموت إذا جاءك أخّرني حتى أتوب توبة نصوحا، وأعمل عملا صالحا، قال لا يقبل مني لأن الناس إذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون.

فقال له وبعد هذا كله إذا أردت أن تعصيه، وجاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار، فلا تذهب معهم، قال لن أستطيع، فقال له أفيحسن بك أن تأكل من رزقه، وتسكن في بلاده، وتعصيه وهو يراك، وأنت لا تقدر أن تدفع الموت عنك، ولا الفرار من عقوبته يوم القيامة، ثم بعد ذلك تعصيه؟ لقد كان هذا الإيقاظ للإيمان سببا في أن يقلع هذا الإنسان عن المعاصي حتى أصبح رجلا فاضلا، والإيمان باليوم الآخر وبأركان الإيمان الأخرى سبب من أكبر الأسباب التي توجد في نفس الإنسان امتناعا عن ارتكاب الجريمة، وأوامر الشريعة ونواهيها لم تأتى إلا بعد أن مرّ الناس بمراحل أعدّوا فيها إعدادا إيمانيا جيدا، فتقول السيدة عائشة رضى الله عنها “إنما نزل أول ما نزل من القرآن سورة من المفصّل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء،لا تشربوا الخمر، لقالوا لا ندع الخمر أبدا” رواه البخاري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.