جريمة الفساد


بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن من صور الإفساد في الأرض هو فساد القلوب، فالقلوب مملوءة بالحقد والحسد والضغينة والبغضاء وهذا بلا شك يؤدي إلى فساد الجسد كله، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول” الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما مشبّهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب” رواه البخاري ومسلم، ومن رحمة الله بنا أن أخفى علينا أمراض القلوب فلو أن القلوب انكشفت ورأى كل إنسان ما يضمره الآخر له من حقد وعداوة وأمراض ما دفن أحد أحدا.

وقد جاء في الأثر” لو تكاشفتم ما تدافنتم” وكذلك من صور الإفساد في الأرض، هو الفساد الإداري وذلك بتقديم ذوي الحسب أو الثقة أو صاحب المصلحة على الكفاءات في شتى مجالات المجتمع وهذا بلا شك يؤدي إلى فساد القوم وقد سُئل الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه، ما يفسد أمر القوم يا أمير المؤمنين؟ قال” ثلاثة، وضع الصغير مكان الكبير، وضع الجاهل مكان العالم، وضع التابع في القيادة” وإن جريمة الفساد إنما هي مخالفة صريحة للأوامر الإلهية ولما جاء بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, وبيان أن ذلك دليل على ضعف الوازع الدينى لدى الفاسد والمفسد, ولهذا فإن الإسلام يعمل على تنمية وتقوية الوازع الدينى لدى كل أفراد المجتمع حتى يكون الوازع الدينى هو الذى يمنع المرء من ممارسة الفساد وارتكاب جرائمه.

وكذلك تربية النشء على المبادئ الإسلامية لأن الأبوين هما المسئولان عنهم، وبين ذلك الرسول في قوله ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ” وكذلك فرض عقوبات رادعة للمفسدين وليكن الهدف من العقاب هو ردع كل مَن تسول له نفسه أن يفسد أو يقدم على أي نوع من أنواع الفساد بكل صوره، وليس الهدف التشفي أو الانتقام من المفسد، لذلك عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، على تأصيل هذه المعاني في نفوس الصحابة، وكذلك رعاية الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية، وإن العدالة الاجتماعية هى إعطاء كل فرد ما يستحقه وتوزيع المنافع المادية في المجتمع، وتوفير متساوي للاحتياجات الأساسية, كما أنها تعني المساواة في الفرص، أي أن كل فرد لديه الفرصة في الصعود الاجتماعي.

ولا يشك عاقل في أن انعدام هذه العدالة الاجتماعية في أى مجتمع من المجتمعات، هو سبب هام جدا من أسباب الفساد مهما كانت القوانين صارمة، والعقوبات شديدة، والحكومات حازمة في تنفيذ القانون, لذا من الضرورى والحتمى لأى دولة تريد القضاء على الفساد أن تعالج هذه المشكة، فها هي كتب التاريخ تسطر بأحرف ساطعة موقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع ذلك الشيخ اليهودي الكبير، فيذكر أبو يوسف في كتابه الخراج أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بباب قوم وعليه سائل يسأل، شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه فقال من أي أهل الكتب أنت؟ قال يهودي، قال فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال أسأل الجزية والحاجة والسن، قال فأخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيده فذهب به إلى منزله.

فأعطاه من المنزل شيئا، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه إذا أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم، فقال الله تعالى” إنما الصدقات للفقراء والمساكين” فالفقراء هم المسلمون والمساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه، وهو عين ما فعله أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز رضى الله عنه حينما تولى الخلافة, فقد عمل على كفاية الفقراء والمحتاجين، وتزويج الشباب، وغير ذلك، فحتى تكون هناك وقاية من الفساد, يجب أن نسد حاجة هؤلاء الأشخاص حتى لا يضطروا تحت وقع الضغوط المعيشية والحياتية وتحت ضغط المستوى الاجتماعي أن يمدوا أيديهم إلى أموال الناس فيأخذوا منها وهذا من باب سد الذرائع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.