بقلم / محمــــد الدكــــرورى
وكان أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه قال أحد أصحابه ” كنت جالسا عند أبي الدرداء في مسجد دمشق، فأتاه رجل فقال يا أبا الدرداء، أتيتك من المدينة، مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدّث به عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فما جاء بك تجارة؟ قال لا قال ولا جاء بك غيره؟ قال لا قال فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض، حتى الحيتان في الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء هم ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر ” رواه ابن ماجة، وابن عباس حبر الأمة يطلب العلم من غيره ويمشي إليه في ظروف قاسية، فقال عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.
” لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل هلم فلنتعلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم كثير فقال العجب والله لك يا ابن عباس أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من ترى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركبت ذلك وأقبلت على المسألة، وتتبع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كنت لآتي الرجل في الحديث يبلغني أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجده قائلا فأتوسّد ردائي على باب داره تسفي الرياح على وجهي حتى يخرج إليّ فإذا رآني قال يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك؟ قلت حديث بلغنى أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحببت أن أسمعه منك فيقول هلا أرسلت إليّ فآتيك فأقول أنا كنت أحق أن آتيك وكان ذلك الرجل يراني فذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد احتاج الناس إليّ فيقول أنت أعلم مني ” وقال كميل بن زياد “
أخذ بيدى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالكوفة فخرجنا حتى انتهينا إلى الجبان فلما أصحر تنفس صعداء ثم قال لي يا كميل بن زياد إن هذه القلوب أوعية وخيرها أوعاها للعلم، احفظ عني ما أقول لك الناس ثلاثة عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق يا كميل بن زياد العلم خير من المال العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال ينقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق، يا كميل بن زياد محبة العالم دين يدان تكسبه الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته ومنفعة المال نزول بزواله، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، يا كميل مات خزان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة وإن هاهنا وأشار إلى صدره لعلما جما لو أصبت حملة بلى أصبت لقنا غير مأمون يستعمل آلة الدين بالدنيا وذكر الحديث “
ومن أطرف ما يروى في طلب العلم ما ذكره الإمام الذهبي في السير عن ” محمد بن الفيض الغساني، سمعت هشام بن عمار، يقول باع أبي بيتا له بعشرين دينارا، وجهزني للحج فلما صرت إلى المدينة، أتيت مجلس مالك، ومعي مسائل أريد أن أسأله عنها فأتيته، وهو جالس في هيئة الملوك، وغلمان قيام، والناس يسألونه، وهو يجيبهم، فلما انقضى المجلس، قال لي بعض أصحاب الحديث سل عن ما معك؟ فقلت له يا أبا عبد الله، ما تقول في كذا وكذا؟ فقال حصلنا على الصبيان، يا غلام احمله، فحملني كما يحمل الصبي وأنا يومئذ غلام مدرك فضربني بدرة مثل درة المعلمين سبع عشرة درة، فوقفت أبكي فقال لي ما يبكيك؟ أوجعتك هذه الدرة؟ قلت إن أبي باع منزله، ووجه بي أتشرف بك وبالسماع منك فضربتني، وقال يعقوب بن إسحاق الهروي، عن صالح بن محمد الحافظ سمعت هشام بن عمار، يقول دخلت على مالك، فقلت له حدثني، فقال اقرأ.
فقلت لا، بل حدثني، فقال اقرأ، فلما أكثرت عليه، قال يا غلام، تعالى اذهب بهذا، فاضربه خمسة عشر، فذهب بي فضربني خمس عشرة درة، ثم جاء بي إليه، فقال قد ضربته، فقلت له لم ظلمتني؟ ضربتني خمس عشرة درة بغير جرم، لا أجعلك في حل، فقال مالك فما كفارته؟ قلت كفارته أن تحدثني بخمسة عشر حديثا قال فحدثني بخمسة عشر حديثا، فقلت له زد من الضرب، وزد في الحديث، فضحك مالك، وقال اذهب ” ومن بديع ما يروى في طلب العلم أيضا ما حكاه أهل السير عن الإمام الأعمش رحمه الله ” قال عيسى بن يونس خرجنا في جنازة، ورجل يقوده، فلما رجعنا عدل به فلما أصحر قال أتدري أين أنت؟ أنت في جبانة كذا ولا أردك حتى تملأ ألواحي حديثا، قال اكتب فلما ملأ الألواح رده، فلما دخل الكوفة دفع ألواحه لإنسان، فلما أن انتهى الأعمش إلى بابه، تعلق به وقال خذوا الألواح من الفاسق، فقال يا أبا محمد قد فات، فلما أيس منه، قال كل ما حدثتك به كذب، قال أنت أعلم بالله من أن تكذب “