بقلم / محمـــد الدكـــروري
وكما نجد السيدة هاجر زوجة خليل الله إبراهيم عليه السلام، والتي أنجب منها الحليم إسماعيل عليه السلام ورحل بها إلى مكة وكانت ارض صحراء لا زرع بها ولا ماء وتركهم هناك، فقالت له آلله أمرك بهذا؟ فقال لها نعم، فقالت له إذن فلن يضيعنا، فانظر إلى يقينها وثقتها الشديدة بالله وقوة إيمانها واستسلامها لأمر الله، ويكفى أننا نتذكرها حتى ألان ونحن نحج بيت الله أو نعتمر عند السعي بين الصفا والمروة ونتذكر سعيها في طلب الماء لابنها الرضيع وعندما نشرب من زمزم نتذكر كيف أن الله عز وجل كافأها على صبرها وسعيها وأنها حتى ألان خالدة فى أذهاننا، وأيضا تضرب لنا السيدة هاجر مثلا رائعا في ثباتها وتنفيذها لأمر الله ومجاهدتها للشيطان عندما هم نبي الله إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه إسماعيل تنفيذا لأمر الله له وكيف ظهر الشيطان اللعين للسيدة هاجر في صورة رجل ليحنن قلبها على ابنها لكيلا تنفذ أمر الله وكيف أنها رجمته بالحصى.
ونتذكر ذلك عند رمى الجمرات فى منى حتى ألان فى مناسك الحج، ثم نجد السيدة أم موسى ورأينا كيف أوحى لها الله تعالي أن تضع وليدها فى صندوق وتقذفه فى اليم فاطاعت الله عز وجل ونفذت أمره وألهمها الله الصبر وربط على قلبها حتى بعد ان التقطه حرس فرعون وجنوده فأعاده إليها لترضعه فى قصر فرعون، ثم نجد السيدة آسيا بنت مزاحم امرأة فرعون كرمها الله فى القرآن وكرمها النبي صلي الله عليه وسلم فى حديثه بان قال “كمل من النساء اربع منهن آسيا زوجة فرعون” والتى رفضت متاع الدنيا وزينتها ووقفت فى وجه فرعون وآمنت بالله وتحملت العذاب قى سبيل الله وثبتت على موقفها وسألت الله ان يبنى لها عنده بيت فى الجنة فنالت الشهادة ورأت بيتها فى الجنة عند موتها فابتسمت قبل ان تفارق الحياة، وكما نجد ماشطة بنت فرعون كيف ثبتت على إيمانها و توحيدها لله وتحدت فرعون وكيف صبرت على قتل أبنائها ألخمسه حرقا فى الزيت المغلي أمام عينيها.
ولم تقل كلمة الكفر وانطق الله ابنها الرضيع ليثبتها حتى استشهدت في سبيل الله مع أولادها، وكان ذلك فى رحلة المعراج الخالدة حيث شم الرسول صلي الله عليه وسلم ريحها الطيبة فى الجنة، وكما نجد زوجة نبي الله موسى عليه السلام وكيف صورها الله تعالي فى القرآن بقوله تعالى “وجاءته أحداهما تمشى على استحياء” فكانت مثلا للحياء واختارت أن تتزوج نبي الله موسى لانه قوى وامين رغم انه لا يملك شيئا، ثم نجد زوجة نبي الله أيوب ورأينا كيف صبرت معه على الضراء والفقر وكيف كانت تخدمه وهو مريض وكيف وقفت بجانبه حتى اشتغلت كخادمه فى البيوت واضطرت لقص شعرها وبيعه لتنفق على البيت حتى رفع الله عنهم البلاء وعوضهم بأحسن مما كان عندهم قبل الشدة، وهذه هي امرأة عمران والتي ذكرها الله فى القرآن كيف نذرت ما فى بطنها خالصا لله ليكون خادما للمسجد فكافأها الله بالسيدة مريم ثم نبي الله عيسى.
وهذه هي السيدة مريم العذراء خير نساء العالمين ورأينا كيف كرمها القرآن وذكر لنا الله عفتها وطهارتها ونقاؤها وعبادتها وتبتلها لله وكان الله يرسل لها بالفاكهة فى غير أوانها وأجرى الله معجزة ورزقها بمولود بغير أب وهو نبي الله عيسى عليه السلام وتكلم فى المهد لكى يرد على اليهود الذين اتهموها و أذوها، وكما أن فى قصة أصحاب الأخدود وفيها قصه شبيهه بقصة ماشطة بنت فرعون وكانت هناك امرأة كانت تحمل طفلا رضيعا وكانت سترمى فى النار فانطق الله رضيعها ليثبتها على الحق واستشهدت فى سبيل الله، وكما أن الإسلام أعطى للأم مكانة عالية في الإسلام ولقد حفلت نصوص عديدة في القرآن والسنة بفضل الأم ومنزلتها في المجتمع واهتمت بها أيما اهتمام لأن الأم هي مصدر الحنان والرعاية والعطاء بلا حدود، وإن لأهمية ومكانة الأم في الإسلام كرر الإسلام الوصية بالأم ثلاثا لفضلها ومكانتها ولتحملها متاعب ومشاق الحمل والرضاعة والتربية.
ويقول ابن بطال رحمه الله في هذا الحديث دليل أن محبة الأم والشفقة عليها ينبغي أن تكون ثلاث أمثال محبة الأب، لأنه عليه السلام كرر الأم ثلاث مرات، وذكر الأب في المرة الرابعة فقط، وإذا تؤمل هذا المعنى شهد له العيان، وذلك أن صعوبة الحمل وصعوبة الوضع وصعوبة الرضاع والتربية تنفرد بها الأم، وتشقى بها دون الأب فهذه ثلاث منازل يخلو منها الأب، ولمكانة الأم وفضلها جعل الإسلام برها جهادا في سبيل الله وطريقا إلى الجنة، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أردت أن أغزو, وقد جئت أستشيرك, فقال هل لك من أم؟ قال نعم، قال فالزمها فإن الجنة عند رجليها” رواه أحمد والنسائي، وقد كانت بعض الشرائع تهمل قرابة الأم, ولا تجعل لها اعتبارا, فجاء الإسلام يوصى بالأخوال والخالات, تكريما للأم، حتى قيل الخال والد وجعل البر بقرابة الأم من الأخوال والخالات مغفرة للذنوب.