بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الابتلاء نعمة للمؤمن، ونقمة للكافر، وإن أشد الناس إبتلاء هم الأنبياء، وإن الطريق شاق طويل، ناح فيه نوح، وذبح يحيى، واغتيل زكريا، وطعن عمر، وضرج عثمان بدمائه، وقُتل علي، وجلدت ظهور الأئمة، وحبسوا ولكن لماذا كل هذا؟ فيقول الله تعالي في سورة العنكبوت ” أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين” ولكن من الحق؟ ومن القوي إلا الله سبحانه وتعالي؟ فكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يبتهل في الليالي ويقول “اللهم أنت الحق، ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق” ويقول تعالي في سورة الأنفال ” يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين”
ومعني حسبك أي أن الله تعالي هو يكفيك فالزم يديك بحبل الله معتصما فإنه الركن إن خانتك أركان، وإن من تأمل بعين العبرة والبصيرة، في حال الناس هذه الأيام، وما هم فيه من امتحانات ومحنة، وكلهم ينتظر انفراج هذه الأيام وانتهائها، وإن من تأمل ذلك علم أن هذه الدنيا لا يستقر حالها على سعة ورخاء دائم، وإنما هي ابتلاء وامتحان، وفرج وشدة، وكل إنسان في هذه الدنيا تمر به محن وبلايا، ومصائب ورزايا، بينما هو في رخاء إذ نزلت به شدة، وبينما هو في عافية وسعة إذ فجأه مرض وسقم، أو لعله كان في سعة رزق ورخاء ثم يبتلى بفقر مدقع أو دين مضلع، آلام تضيق بها النفوس، ومزعجات تورث الخوف والجوع، فكم ترى من مبتلى يشكو مرضه وأب يلوم عقوق ولده وأم ثكلى تبكي فقيدها كم ترى ممن بارت تجارته وكسدت صناعته وآخر قد ضاع جهده.
ولم يدرك مرامه تلك هي الدنيا تضحك وتبكي، وتشتت وتجمع، إنها دار غرور لمن اغتر بها، وهي عبرة لمن اعتبر بها، وهي دار صدق لمن صدق فيها، فقال تعالى فى سورة الحديد ” لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور ” وإن في البلاء تقوية الإيمان بالقضاء والقدر، فما من شيء في السماوات ولا في الأرض إلا وهو ملك لله عز وجل، وما من شيء يحدث في ملكه إلا بمشيئته وإرادته فبيده الملك، وبيده مقاليد السماوات والأرض، وما من شيء يحدث من رخاء أو شدة، أو خوف أو أمن، أو صحة أو مرض، أو قلة أو كثرة، فكل ذلك بمشيئته سبحانه وتعالى، والإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي لا يتم الإيمان إلا بها، فإذا أصاب الانسان ابتلاء علم أن ذلك بقضاء الله وقدره.
وإن في البلاء تمحيصا للمؤمن وتخليصه من الشوائب المنافية للإيمان، فالبلايا والمحن هي المحك الذي يكشف عما في القلوب ،وتظهر به مكنونات الصدور، وينتفي بها الزيف والرياء ، وتنكشف به الحقيقة بكل جلاء، وأن في البلاء ردعا وتحذيرا من الغرور، فالعقوبة العاجلة على ما اقترفه الإنسان أو الأمة من معاص تقتضي حكمة المولى عز وجل أن تعجل عقوبتها حيث إن فيها ردعا وتحذيرا وعبرة، لهم ولغيرهم من الأفراد والجماعات، وإن الابتلاء وسيلة للتمكين في الأرض، فقيل للشافعي رحمه الله يا أبا عبد الله، أيهما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى؟ فقال الشافعي لا يمكن حتى يبتلى، فإن الله تعالى ابتلى نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله عليهم أجمعين فلما صبروا على الابتلاء مكنهم فلن يمكن المسلمون في الأرض إلا بعد أن يبتلوا.
ليميز الله الخبيث من الطيب والصادق من الكاذب، وأن في البلاء رحمة بالعصاة والتخفيف عنهم يوم القيامة، فمن حكمة الابتلاء بالعقوبة أن يعجل الله للمذنب عقوبته فتأتيه في الدنيا تخفيفا عنه يوم القيامة، وإن في البلاء إقامة حجة العدل على العباد فيعلم العبد المبتلى أن لله عز وجل عليه الحجة البالغة، فإذا أصابه بشيء من المكروه، فلا يقل لماذا؟ فهو يعلم أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، ويقول الله عز وجل فى سورة الشورى ” وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير” فإن هذه الآية الكريمة فيها حكم عظيمة، وفيها فوائد جمة لمن تأملها، ذلك أن ما يدور في هذه الحياة وأنه يفهم من ضوء هذه الآية أن يعرف أهل الإيمان ما يواجههم، ويعرفون تفسير ما في هذه الدنيا من خلال هذه الآية.