الإسلام والجريمة


بقلم / محمــــد الدكـــــروري

إن الإسلام قد وضع قاعدة قوية في القضاء على الجريمة، في تحريمه الأمور التي تتسبب عنها، أو تدعو إليها كالخمر والزنا والربا والميسر، ثم بوضعه قواعد تريح العالمين بها وفق منهج سليم يرضي النفوس، ويعطى كل ذي حق حقه، ويمنع التعدي، ثم يفرض جزاءات تجتث الشرور من المجتمع، لأن من فيه نزعة شر لا يرتاح، إلا بإزعاج الآخرين، ومثل هؤلاء كالجرثومة التي لابد أن تكافح، أو كالعضو الفاسد لابد من بتره، وإلا استشرى الداء في الجسد كله، وإن من تمعن في مدلول الآيات الكريمة، يدرك الإسلام الصارم في القضاء على الأمور التي يترتب عليها إخلال بالأمن، وإزعاج للبشر، وإضرار بالأمة، ومعلوم بأن رأس المال جبان لا يطمئن إلا بالأمان، ولا يتحرك وينمو إلا مع الأمن الوطني، والقضاء على مثيري القلاقل الآخذين بجهد الآخرين، المخيفين للسبيل، وذلك بسلطة تجازيهم في الدنيا، وتقطع دابرهم من المجتمع.

وعمل هذه السلطة يدعمه تشريع قوي، ولا أقوى من حكم الله ورسوله وتطبيقهما يخيف من تسوّل له نفسه العمل بمثل عملهم” فإن الإسلام قضى على ذلك بحسن التوكل على الله، وملء القلب إيمانا بخشيته ومراقبته، فعن بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالله الذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها” ويقول النبى صلى الله عليه وسلم في حسن التوكل، وتسليم الأمر لله ” لو تتوكلون على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا”

وحسن التوكل على الله لا يكون إلا مع كمال الإيمان، ذلك العمل الذي يطمئن النفوس ويزيل عن القلوب القلق والضجر، وإن من أهم انواع الأمن هو الأمن الاجتماعي، وهو الحالة التي تفرض وجود تنظيم اجتماعي اتفاقي يحقق شعور أفراد المجتمع بالانتماء إلى بلدهم ومجتمعهم، ومن الجدير بالذكر أن الأمن الاجتماعي يستمد مقوماته بشكل أساسي من النظام، ويتميز بالاستقرار، والاستمرارية، وأيضا الأمن الاقتصادي وهي الحالة التي يتم فيها تدبير الضمان، والحماية لأفراد المجتمع وذلك في سبيل الحصول على احتياجاتهم الأساسية، كالمسكن، والملبس، والعلاج، بالإضافة إلى ضمان الحد الأدنى لمستوى المعيشة، وبالتالي تكمن أهمية الأمن الاقتصادي في تعزيز الوضع النفسي، والمادي لأفراد المجتمع، وكما هناك الأمن البيئي وهو تحقيق الحماية لمختلف الجوانب البيئية، من هواء، وماء، وغذاء، وذلك من خلال منع الاعتداءات عليها.

ووضع القوانين الرادعة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمسببي هذه الاعتداءات، والتصرفات الخاطئة، مما يساهم في المحافظة على البيئة، وكما أن هناك الأمن النفسي، أو الأمن الشخصي وهو أَمن الفرد على نفسه، ويتحقَق ذلك عندما يكون إشباع الحاجات مضمونا، وغير مُعرض للخطر، كالحاجات الفسيولوجية، والحاجة إلى الانتماء، والمكانة، والحاجة إلى الأمن، والحب، والمحبة، والحاجة إلى تقدير الذات، ويتحقق إشباع هذه الاحتياجات من خلال السعي، وبذل الجهد، وقد يتم تحقيقها بدون جهد، وهناك أيضا الأمن الغذائي أي مقدرة المجتمعات على توفير مختلف الاحتياجات الغذائية الأساسية لمواطنيها، وضمان تحقيق الحد الأدنى من هذه الاحتياجات، من خلال إنتاجها محليا، أو استيرادها من الخارج، وكما أن هناك أيضا الأمن القومي أي هو مقدرة أي دولة على تأمين انطلاق مصادر القوة العسكرية، والاقتصاديّة لديها.

سواء كانت على المستوى الداخلي، أو الخارجي، ومقدرتها على مواجهة التحديات، والتهديدات في الداخل، والخارج في السلم، وفي الحرب، وهناك أيضا الأمن الوطني وهو تمكن الدولة بمؤسساتها الرسمية، والشعبية جميعها من تحقيق الأمن، والحماية لمختلف مواردها المادية، والمعنوية، من أي عدوان، أو تهديد خارجي، أو داخلي، بالإضافة إلى تحقيق الطمأنينة، والاستقرار بين مختلف أفراد المجتمع، وهناك الأمن الحضري وهو ما يتعلق بالسلامة الأمنية لسكان المدن، أو التجمعات الحضرية، علما بأن الأمن الحضري يشمل الجوانب الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية، وما يرتبط بالتخطيط، والتصميم العمراني لمختلف التجمعات السكانية، وفي سبيل المحافظة على المال، والاهتمام بأداء حق الله فيه يقول صلى الله عليه وسلم “ما نقص مال من صدقة أو ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع عبدالله إلا رفعه الله”

وتحصين المال وحراسته والاطمئنان عليه، تكون بالزكاة التي تذهب للفقراء والمحتاجين، فتحسن من حالهم وتريح ضمائرهم كما جاء في الأثر “حصنوا أموالكم بالزكاة” فإن الاعتماد على الله، وحسن التوكل عليه، مدخل إيماني قوي للنفوس ومبعث على الاطمئنان والراحة، كما في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما، قال “كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال “يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجمعوا على أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.