بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحياة نفس معدود، وزمن محدود، وأمد غير ممدود، ثم منه جليل القربات، ووالى بين مواسم الخيرات، وعظيم الأجور، ونوع موجبات حط الخطايا، وتكفير السيئات، ولقد أظلتكم عشر فاضلة وهي أيام عشر ذي الحجة وهى أفضل أيام السنة على الإطلاق، فهى أيام شرف الله زمنها، ورفع قدرها، وبارك في العمل الصالح فيها، وجعله من أسباب الفوز بعظيم الأجور ومغفرة الخطيئات فاغتنموا هذا الموسم المبارك بصالح ما شرع الله تعالى لكم فيه، وعظموه بأن لا تعصوا الله سبحانه فيه وأنتم تعلمون، وتوبوا إليه جل وعلا من سيئ ما جنيتم، فإنكم خطاؤون، وخير الخطائين التوابون، فتقربوا إلى الله تبارك وتعالى، في هذه العشر المباركة التي هي غرة في جبين الزمان بأمهات الطاعات من الصلاة والزكاة والصيام، وبحسن أداء الفرائض، والاستكثار من النوافل، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال.
“ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر، قالوا ولا الجهاد في سبيل الله يا رسول الله؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء” وفي الحديث القدسي الصحيح أن الله تعالى قال “وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه” وقد دلت أحاديث صحيحة أخرى على أن الفرائض تكمل من جنسها من النوافل، فيكمل به نقصها، ويغفر التقصير فيها، ويعظم أجرها، ويتم مبارك أثرها، فأحسنوا أداء الفرائض، واستكثروا من النوافل، تروا من ربكم ما تسر به النفس، وتقر به العين، وأما صوم يوم عرفة لمن لم يقف بعرفة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله فيه “أحتسب على الله عز وجل أن يكفر السنة الماضية والباقية” فصوموا هذا اليوم وما تيسر لكم قبله من أيام تلك العشر، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله.
“عليك بالصوم فإنه لا مثل له” وفي رواية “لا عدل له” وأكثروا من الدعاء في تلك العشر المباركة من الذكر والدعاء والجهر بالتكبير في سائر الآناء لقول نبيكم صلى الله عليه وسلم “فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل” ذلكم لأن الجهر بالتكبير في تلك الأيام من شعائر الإسلام، وسنة أهله التي تميزهم من غيرهم من الأنام، وإن من جليل ما تتقربون به إلى ربكم تبارك وتعالى في هذه الأيام هو الحج والعمرة إلى بيت الله الحرام، وأداء المناسك العظام، فإن الحج والعمرة النسك العام لأهل الإسلام، وتاج شرائع الإسلام، ومن الجهاد في سبيل الله، ومن أعظم خصال محو الأوزار، والعتق من النار، وسعة الرزق وإغاظة الكفار، فهنيئا لأهل الإسلام، وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “العمرة إلى العمر كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” وقال صلى الله عليه وسلم “من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كهيئته يوم ولدته أمه”
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يباهي بأهل الموقف عشية عرفة ملائكته، ويقول ما أراد هؤلاء؟ ويقول انصرفوا مغفورا لكم، وما رؤي أكثر عتقا من النار من يوم عرفة، وكم في السنة الصحيحة من حديث فيه التنويه بشأن الحج والعمرة، وبيان كرم الله تعالى لمن أتمهما خالصين لوجهه الكريم، وجمع فيها بين البر، وترك الوزر، فما أكرم العطايا، وما أجل الهبات، وإن تاج هذه الأيام يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر للحجاج، ويوم العيد والأضاحي لأهل الأمصار، حيث يؤدي الحاج أعمال الحج الكبار، مثل رمي جمرة العقبة، والنحر، والحلق أو التقصير، والطواف بالبيت، ويؤدي فيه المسلمون في الأمصار صلاة العيد، ويذبحون الضحايا، فيشتركون في النسك والذكر وينفرد كل صنف فيما يخصه، وما عمل آدمي عملا أحب إلى الله من إراقة دم، فاستعظموا الهدي والأضاحي، واستسمنوها واتقوا ما فيه نقص، فاستشرفوا القرن والعين والأذن.
وطيبوا بها نفسا، واعلموا أن أفضلها أغلاها عند أهلها وأكثرها ثمنا، واغتنموا مواسم الطاعات، فاستبقوا الخيرات، وتنافسوا في جليل القربات، وبادروا بالتوبة من الخطيئات قبل الممات، فإن الفرص عارضة وإن النعم عارية، وإن باب التوبة مفتوح، وإن الله تعالى يحب التوبة النصوح، وإن الله تعالى قد ضمن السبق للمتسابقين، وإن العمل لغير الله لا يدوم، وإن الشيء بغير الله لا يكون، فاتقوا الله وكونوا مع الصادقين، فأن لهذه الأيام المبارك فضائل ليست لغيرها من سائر الأيام، حيث فضلها رب الأنام ونبينا الهمام صلى الله عليه وسلم، وهكذا هى فضيلة هذه العشر جاءت من عدة أمور، ومنها أن الله تعالى أقسم بها، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم شهد أنها أفضل أيام الدنيا، كما تقدم، وأن فيها يوم عرفة ويوم النحر، وأن فيها الأضحية والحج، وقال ابن حجر رحمه الله “والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها.
وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره” وإن من وظائف عشر ذي الحجة، هو الصيام، حيث يسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة، وكذلك التكبيرحيث يسن التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح أيام العشر، وإظهار ذلك في المساجد والمنازل والطرقات، وأن يجهر به الرجل، وتسر به المرأة، وإن التكبير سنة مهجورة وفي الحديث “من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي، فإن له من الأجر مثل من عمل بها، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا” وكذلك أداء العمرة والحج لقوله صلى الله عليه وسلم “الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” وكما ينبغي المسارعة إلى الحج قبل وقوع عائق أو نحوه، لقوله صلى الله عليه وسلم “تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له” وحديث “من أراد الحج فليستعجل فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة” وقال عمر رضي الله عنه “لقد هممت أن أبعث رجالا إلى الأمصار.
فينظروا كل من كانت له جدة فلم يحج، فيضربوا عليه الجزية ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين” وذلك لأن للحج فضائل كثيرة، منها أنه يهدم ما كان قبله كما في سؤال عمرو بن العاص رضي الله عنه، للنبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبايعه، وأن من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه” الرفث هي كلمة جامعة لما يريد الرجل من المرأة، والفسوق هى المعاصي، وقال ابن حجر رحمه الله وظاهر الحديث غفران الصغائر، والكبائر، والشبهات، وقال صلى الله عليه وسلم “والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” والحج المبرور هو أن يرجع زاهدا في الدنيا، راغبا في الآخرة، كما قال ذلك الحسن البصري رحمه الله، وإن من صفة الحج والعمرة، وهو أن يُحرم الحاج من الميقات، ثم يلبّي حتى يصل إلى البيت الحرام، ثم يبدأ بالطواف من الحجر الأسود، ويسن في هذا الطواف وهو أول طواف يأتي به القادم شيئان الاضطباع في جميع الأشواط.
والرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، فإن أقيمت الصلاة أثناء الطواف، بدأ بعدها من موضعه الذي وقف فيه، على الأظهر من قولي العلماء، ثم يسوي رداءه بعد الفراغ من الطواف، ويصلي ركعتين خلف المقام، ويشرب من ماء زمزم إن تيسر له، ويسعى بين الصفا والمروة، وينبغي للنساء عدم مزاحمة الرجال بتقبيل الحجر، أو الرمي، أو الطواف، فيحلق إلا إذا كان متمتعا فإنه يقصّر لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم بذلك، وحتى من أراد الأضحية يقصر، وأما عن محظورات الإحرام، فهى إزالة شعر الرأس بحلق أو غيره.