بقلم / محمـــد الدكــــرورى
إن أهل الباطل قديما وحديثا يرون في حملة المبادئ، وفي رواد الحق، خصماء على طوال الطريق لأنهم يقولون لهم لا، في كل معصية، وفي كل شهوة، وفي كل نزوة، فقد طوقوا بيته صلي الله عليه وسلم بالسيوف المشرعة، وتحروا متى يخرج ليفتكوا به، وهنا تأتي الشجاعة، ليست الشجاعة التي يبديها الناس، من أجل أراضيهم ومزارعهم ومناصبهم، أو الأنوف الحمراء التي تغضب للجيوب والبطون، والسيوف المسلولة من أجل التراب والطين، أما رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، فيقدم رأسه من أجل مبدئه، ويتحدى الشمس أن تهبط في يمينه، والقمر أن ينزل في يساره، ويقول والله لو نزلت الشمس ونزل القمر، ما تزحزح خطوة واحدة، حتى تعلن لا إله إلا الله أصالتها في الأرض، فطوقوه صلي الله عليه وسلم.
وأتاه جبريل، أخبره قائلا الخصوم خارج البيت، يريدون قتلك، فيقول صلي الله عليه وسلم إن الله معنا، لله درك، ولله در الشجاعة المتناهية، فخرج من البيت بلا سيف، وهم بالسيوف، وخرج بلا رمح، وهم بالرماح والعار، وأخذ حفنة من التراب، فألقى الله النوم عليهم فناموا، وسقطت سيوف الخزي والعار من أيديهم، فخرج ونثر التراب والغبار على رؤوس الفجار، وهو يقول “وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون” ونحن نستقبل عام هجري جديد ونودع عاما قد مضى فيجب علينا أن نسأل أنفسنا أسئلة هامة ويجب على كل مسلم أن يراجع نفسه في أداء الفرائض، وكم قدر الاحتياطي عنده في السنن الماضية، فهن مكملات لنقص الفرائض، ومسددات للخلل، ورافعات للدرجات، ومكفرات للسيئات.
وما نصيبك من ذكر الله؟ وكيف صلتك بكتاب الله؟ وكيف أنت والنفقات الواجبة والمستحبة؟ إن هذه وأمثالها مراجعات يحسن بالمرء أن يراجع نفسه ويسألها عنها على الدوام، وهي خليقة بالمحاسبة مع انصراف عام وبدء عام، وإذا أخرجت لنفسك ميزانية في آخر العام عرفت قدر المكاسب فيها والخسران، وإذا علمت ذلك سددت وقاربت قدر الإمكان، وتلك الميزانية والمحاسبة، وربي، أولى من غيرها في موازين الدنيا ومحاسباتها، وإن الغفلة ثورت الهلكة، وما أعظم الحسرة حين يرد الناس يوم القيامة بحسنات كالجبال، ويرد المفرطون الغافلون بالخيبة والخسران، يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون، فإن نهاية عام وبدء عام مذكرة بسرعة الأيام وانقضاء الأعمار.
فإذا كانت الساعة تشكل قدرا في أجل الإنسان فكيف مما يزيد على ثمانية آلاف وست مائة ساعة في السنة، والله سبحانه وتعالى يقول فى كتابة الكريم فى سورة الأعراف ” ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ” فبين عام مضى وعام يوافي عبر وعظات توقظ الضمير الغافي، وهل نسيت أنه قد حدث بالعام المنصرم علل وأسقام، وفتن وهموم، وفقر وحروب، وأموات رحلت، ودماء أزهقت، وأطفال ونساء تأيمت، فإذا سلمك الله من هذا كله فاحمد الله واشكره، واعلم أن ما تخطاك لغيرك سيتخطى غيرك إليك، فكن مستعدا للقاء ربك، مغتنما شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل مرضك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك، والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
ومما يفيدك في المحاسبة بشكل عام، هو أن تنظر في أمور دينك إلى من فوقك فذلك أدعى لرفع همتك، وتنظر في أمور دنياك إلى من هو دونك حتى لا تزدري نعمة الله تعالى عليك، وإن نهاية العام هى فرصة للتأمل في المتغيرات، التي تحصل في المجتمعات فما موقع المسلمين في خارطة العالم، وما نوع القوى التي تحظى بالنفوذ والسيطرة؟ إلى أين يسير الشباب؟ وماذا يراد للمرأة المسلمة؟ وماذا تصنع القنوات، وكم هي ضحايا الخمور والمخدرات؟ وكيف السبيل لتصحيح المسار، والوقاية خير من العلاج، فماذا قدمنا للعام الهجري المنصرم، فقد ذهب من أعمارنا عام، مات فيه قوم، وعاش قوم، واغتنى قوم، وافتقر قوم، وتولى قوم، وخلع قوم، فماذا قدمنا للإسلام؟