أهل الجهل فاقدون الهداية


بقلم / محمــــد الدكــــروري

إن الفرد الجاهل تابع على الدوام لترهات عقله أو نقص تفكيره أو هوى نفسه، ما يكاد يستوى قائما من بلوى حتى يقع في غيرها لأنه لا يعيش حياته على هدى ولا بصيرة، وتخيل الشخص الجاهل والذي يمثل جراب المال المنتفخ في منطقه وسكوته وأفراحه وأتراحه ورضاه وغضبه، تجده عورة مجتمعية يتمنى الجميع أن يسترها الله، وقد قامت دول من عثرتها على أعمدة العلم والتخطيط له ورصد الميزانيات الكبيرة لنهضة التعليم، فكان لها الشأن الأكبر بين دول العالم، بينما هناك دول كاملة ولديها وفرة متكاثرة في المال ولكنها فقدت بريقها العالمي بسبب الإهمال للتعليم والانجراف نحو مجالات أخرى، وقد استعاذ نبي الله موسى عليه السلام بربه أن يكون منعوتا بالجهل، ومن صفات أهل الصلاح.

أنهم لا يختلطون مع الجاهلين، وأهل العلم به يهتدون وأهل الجهل فاقدون لهذه الهداية، إن الأسس التي تبنى عليها الحياة المثالية الصحيحة كثيرة ومتعددة، إلا أن هذه الأسس منها ما هو مهم، ومنها ما هو أهم، ويمكن القول إن العلم أساس مهم من هذه الأسس، ولكن الأساس الأهم والركن الأعلى رتبة هو الأخلاق، فهي التي تتربع على عرش كل الأسس إذ تطل كملكة بين كل المبادئ الأخرى، وكلما كانت الأخلاق سوية صحيحة، كلما ارتقت باقي الأسس إلى الأعالي، والعكس بالعكس، فمن المهم أن يكون الإنسان متعلما، إلا أن هذا العلم سيكون بلا قيمة إذا تجرد صاحبه من الأخلاق الحسنة والقيم النبيلة الفاضلة، وإن العلم بلا أخلاق مثل الشجرة بلا أوراق، لا أحد ينظر إليها ولا يؤبه بها.

ولو طاولت فروعها عنان السماء، وعندما يريد أحدهم أن يحدد أهم صفات طالب العلم فمن البديهي أن يضع الأخلاق في قمة هذه الصفات، وهذه الأخلاق هي التي تستطيع أن توجه العلم في مساره الصحيح، وتبعده من أن يكون سببا لأذية المجتمعات والإضرار بها، فكم من متعلم استطاع من خلال ما تعلمه إلحاق الضرر بالناس، وما ذلك إلا لغياب الأخلاق والقيم النبيلة التي تضبط الإنسان وتبعده عن القيام بأفعال مسيئة للمجتمع من حوله، مثل توظيف العلم في تصنيع مواد تلحق الضرر بالبيئة أو الحيوانات، أو حتى تصنيع بعض المواد الكيميائية التي تبيد الآلاف من البشر في لحظة واحدة، ومن هنا تأتي الصلة الوثيقة بين العلم والأخلاق، والتي ينبغي الانتباه دائما إلى ترابطها ومتانتها.

وكلما ازدادت الأواصر بين العلم والأخلاق في نفس الإنسان، كلما كان إنسانا متوازنا حكيما، ويمكن اعتباره قدوة لمن حوله، وبالمقابل كلما ازداد علم الإنسان دون التحلي بالأخلاق الفاضلة سيكون وبالا على البشرية، وداء مستشريا في المجتمع يجب القضاء عليه، ولا يمكن أن يكون طالب العلم مغرورا بعلمه، ويظن أنه الوحيد الذي يتعلم ويجتهد، فهذا فيه خروج عن منظومة الأخلاق، ولا يمكن أن يكون طالب العلم أنانيا يحتفظ بالعلم لنفسه، ولا يريد مشاركته مع الآخرين، لأن كتم العلم عن الآخرين أمر نهى عنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والأمثلة على الصلة بين العلم والأخلاق كثيرة، ولذلك لا بد أن تكون الأخلاق حاضرة في كل خطوة من خطوات طالب العلم.

إذا تمكن من استحضار الأخلاق الفاضلة في كل تفاصيل حياته، عندها يحقق الرابطة المتينة بين العلم والأخلاق، والتي لا يمكن أن تفك عراها بسهولة، لا سيما إذا كان يعتنق هذه الأخلاق وهو مقتنع بأهميتها في صقل علمه وتهذيبه وتقويمه وتوظيفه في كل ما يخدم المجتمع المحيط به، ولما يتحقق ذلك سيشعر هو بلذة العطاء، وسعادة الرضا عن النفس، كان يهدف إلى تبيان أهمية العلم في حياة الأمم، ودوره في بناء الحضارات وتطورها، ورقي المجتمعات وتطاول بنيانها وهو محقّ في ذلك، إلا أن هذا التطور وتلك الرفعة والمكانة التي ستحوزها المجتمعات بالعلم، لا بد لها من أمر آخر يضمن لها البقاء والاستمرارية، ألا وهو الأخلاق، بذلك تتضح الصلة الوثيقة بين العلم والأخلاق من جهة، وتتبين أهمية الأخلاق في بقاء الأمم والمجتمعات واستمرارها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.