بقلم الدكتور / فرج أحمد فرج
باحث انثروبولوجيا
من واجب علماء الانثروبولوجيا المحافظة علي الانسان وعلي كل مقدراته للعيش في رفاهية وامان ، وهذا ما دفعهم ابان الحرب العالمية الثانية ان يضعوا ميثاق واسس لتلك الحياة ونشروها حتي تبلور ميثاق الامم المتحدة باغلبية الدول لتلافي الحروب المدمرة التي اودت بقتل الملايين في تلك الحرب ، ولكن هناك دول تنقض تلك المواثيق ولا تعيرها اية اهمية امام ما تقترفه من عدوان ودمار وقتل للاخرين في سبيل الهيمنه والسطوة علي مقدرات العالم .
وامام تلك الغطرسة والعدوان في الاحداث الجسام والحروب والاخطاء الكارثية من قبل المعتدين لم نجد غير عبارات الشجب والتنديد وضبط النفس ، لانهم عاجزون عن الفعل غير القول لخوفهم او توازن المصالح او الوقوف بجانب المعتدي وتهدئة رد فعل المعتدي عليه .
عرف الإنسان لغة الشجب وأدوات التنديد منذ عرف الخلاف في الرأي مع الآخرين، والاعتراض على أفعال يقترفها غيره. حياة البشر عامرة بالشجب ولا تمضي من دون تنديد، وربما يصل الأمر بالبعض إلى الإدانة أيضاً.
وهذا ما رايناه علي مدي سنتين مع بداية اجتياح غزة واستخدام الكيان الصهيوني استخدام القوة الغاشمة التي فاقت كل الاعراف امام عدم توازن القوي والاصرار علي تهجيرهم من ارضهم وازاحتهم لمصر في سيناء امام اعين العالم وكافة المؤسسات الدولية في اعتداء سافر واهدار كامل لحقوق الانسان من قتل النساء والشيوخ والاطفال وهدم كل وسائل الحياة من مستشفيات ومدارس وحرمان المواطنين من اقل حق لهم في الحياة الا وهو الماء والغذاء .
ان ما يفعله الكيان الارهابي بالمنطقة بحجة اعادة تشكيلها واقامة مجتمع جديد وفق نظريته التوسعية لبناء اسرائل الكبيري فاستخدم القتل والقنص للمعارضين والقادة علي ارضهم في سوريا ولبنان والعراق وفلسطين واليمن واخيرا في ايران بمساعدة رأس الشر في العالم امريكا حاضنة الكيان والارهاب في المنطقة .
لم نري اية فعل بعد الاعتداء علي المنشأت النووية الايرانية واحتمال كبير للتسرب الاشعاعي في المنطقة غير عابئة بتحالفاتها وقواعدها في دول الخليج للماء والهواء في تلك الدول .
ان استخدام القوة الغاشمة من قبل امريكا ضد ايران بحجة انهم علي مدار اربعين عاما يهتفون بالموت لامريكا واسرائيل ةعقاب الذين قالوا سنلقي بها للبحر ، واستخدام احدث الطائرت والصواريخ الموجهة بدقة من الحروب الذكية والسيبرانية . شاهد العالم تلك الضربات وكانهم يشاهدون فيلما سينمائيا من افلام الحروب والاكشن ، ولم يخرج من اي ردة فعل من اية جهة تطالب بحفظ حقوق الانسان في الحياة والكرامة الانسانية علي ارضهم واوطانهم والعيش في امان واستخدام ادوات الحياة من التكنولوجيا والعلم ، وبدلا من ذلك قتلت العلماء والاساتذة في العلوم كافة والقادة والساسة ودمرت كافة المرافق وادوات الحياة من ماء وكهرباء وبترول وطرق ومبان ومستشفيات وجامعات ومدارس ووسائل المواصلات والاعلام .
والجميع من الساسة يشجب ويندد ويطالبون المعتدي علية الا يقدم لرد فعل وعليه ضبط النفس
وعلي الشعوب غير الامتعاض والغضب وكظم الغيظ واحداث الفوضي والثورة لجعل هذه الدول فاشلة وهذا مبتغاهم وتحقيق نبؤتهم .
وان يكون غضبهم منظم بأشد العبارات أيضاً، تشجب دول ومنظمات أممية وجماعات حقوقية دولاً ومنظمات وجماعات أخرى بدرجات متفاوتة من العبارات، بدءاً بالشجب الهادئ القريب من لوم الصديق أو تأنيب الحبيب، مروراً بالتنديد الصاخب، وانتهاء بالإدانة، التي تعد في قواميس الغضب المنظم والرفض المنمق أقصى درجات الرفض وأقسى وسائل الاعتراض.
حين ترتكب دولة أو جماعة قدراً من العنف والقتل والدمار، وحين تحول ظروف دولية أو حسابات دبلوماسية أو ترتيبات أمنية أو عوائق استراتيجية من دون التدخل لوقف هذا العنف، تلجأ الدول والمنظمات، لا سيما الأممية والحقوقية، إلى شجب الطرف الذي تعتبره باغياً، هذا هو المعروف والمتداول في عالم الشجب والإدانة الدولي، لكن ما يبقى سراً أو غير منطوق هو الشجب بهدف تخليص الذمة والإدانة لتبييض الوجه، بمعنى آخر، يعرف الساسة وكبار موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية أن الشجب والتنديد أحياناً باتا عمليات إجرائية لا بد من القيام بها لأسباب مختلفة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تهدئة الرأي العام الداخلي، أو تبييض السمعة والصورة الخارجية كمحصلة نهائية لما جرى من عدوان.
قطاعات عريضة من الشعوب العربية على سبيل المثال تعبر بشكل مستمر منذ بدء حرب القطاع عن الغضب من اكتفاء دولها بالشجب والتنديد. البعض يطالب بشن حرب شاملة على إسرائيل، والبعض الآخر يناشد حكوماته التدخل بشكل أكبر من مجرد الشجب أو ممارسة ضغوط أقوى من الإدانة.الغضب من الشجب والإدانة يمتد كذلك إلى كتاب رأي ومحللين يدقون على وتر عدم كفاية “التشهير” الشفهي بالدولة “المعتدية”، وهو ما يبقي حالة عدم الرضا الشعبية متوهجة.
هل تدين ومن؟”هل تدين ما تفعله إسرائيل؟” أو “هل تدين ما فعلته حماس؟” صارا أسئلة متكررة في المؤتمرات الصحافية التي تنعقد في دول العالم المختلفة، لا سيما تلك الضالعة في الصراع الدائر.متى ينتهي عصر الشجب والتنديد؟”.تأتي الإجابة الواقعية الصادمة: “لن ينتهي عصر الشجب والتنديد. سيستمر طالما العالم فيه دول وجيوش وجماعات ومصالح. ستستمر الحروب، سواء الفعلية على الأرض أو الافتراضية على الأثير أو حتى الثقافية عبر الفنون والآداب. استمرار الحروب والصراعات والمواجهات يعني استمرار الشجب والتنديد والإدانة بدرجاتها المتفاوتة وأغراضها المختلفة. فلنعتبرها شراً لا بد منه أو واجباً لا مفر منه أو فرضاً لا بديل له. مهمة الدول أو المتوقع منها، طالما لن تتدخل عسكرياً أو إجرائياً عبر السياسة والضغط، أن تشجب الاعتداءات وتندد بالقتل وتدين العنف غير المبرر. ومهمة الشعوب والمتوقع منها، لا سيما تلك الضالعة في الصراع أو المتضامنة مع طرف من المتصارعين، أن تعتبر الشجب والتنديد والإدانة غير كافية، وتتهم حكوماتها بالتقصير ورؤساءها بالتفريط. فلنعتبر الشجب والتنديد سنة السياسة”، وفق ما يقول الباحث في العلوم السياسية ودراسات الشرق الأوسط علي مصطفى.الإدانات وهذا النوع من الخطاب تعتبره الشعوب رداً رسمياً “ضعيفاً”، وغالباً يتم اللجوء إليه حتى لا تبدو الدولة أو النظام السياسي وكأنه مشلول. تقول ناديا مارتنسن إن “أدين بشدة” و”لن يحدث ذلك مرة أخرى” أو “مثل هذا العمل لن يتكرر مجدداً” وغيرها من عبارات الشجب والتنديد والإدانة هي عبارات نموذجية يستخدمها الساسة والمسؤولون عند حدوث فظائع.وتشير إلى عدم وجود قائمة رسمية تحوي الخيارات المختلفة المتاحة للدول للتصرف في مثل هذه الأحوال في الحياة الواقعية. أما في الدبلوماسية، فهناك مجموعة متعارف عليها من العادات والقواعد التي جرى سنها على مدار السنوات والعقود، وتتمثل في عبارات شجب وتنديد وإدانة أشبه بالرموز المفهومة بين الدول وبعضها، التي يجري استخدامها لدى وقوع فظائع، وبات الجميع قادراً على استيعاب مقدار فداحة ما جرى بناءً على محتوى خطاب التنديد.
فالحرب التي تدور رحاها،في غزة وايران وردود فعل الدول تختلف في درجات الشجب لأحد طرفي الصراع أو كليهما، وغضب الشعوب جراء الاكتفاء بالتنديد والإدانة يتفاقم، وقادة الدول على علم بغضب الشعوب من جهة وعلى حدود وقدرات وواقعية ردود فعلها من جهة أخرى، والجميع يعرف أن الإدانة لا سلطة تنفيذية أو قانونية لها، بمعنى أنها مجرد تعبير عن رفض، ولكن على الملأ بهدف الإحراج.وعلى رغم عدم وجود تأريخ موثق لأصول وقواعد الشجب والإدانة في السياسة الدولية، إلا أن مارتنسن، تقول إن مفهوم التشهير بالمعتدي يعود إلى القرن الـ19، حين بدأت دول أوروبية في إعلان أسماء وهويات الأشخاص والمجموعات المذنبة التي كانت تقوم بأعمال معادية للمجتمع بغرض إحراجهم وإجبارهم على الندم.الفرق الوحيد بين التنديد بالمعتدين في القرن الـ19 وبفظائع القرنين الـ20 والـ21 أنه بات من الصعب، وأحياناً المستحيل، المراهنة على إحراج المعتدي وإجباره على الندم.