رسالة إيران لإسرائيل “إن عدتم عدنا”

بقلم / د. محمود محمد علي

انتهت الحرب وخرجت إسرائيل من هذه المعركة ، وهي أضعف من أي وقت مضى ، لم يكن هذا رأيا سياسيا ولا تحليلا خارجيا ، بل واقعا تجلى بوضوح في جلسة الكينست الإسرائيلي التي عقدت صبيحة وقف إطلاق النار ، فقد شهدت الجلسة مشادات غير مسبوقة ، واتهامات مباشرة للحكومة ورئيسها بالخداع.
إقرارات صريحة بالخسارة ، بل واعتراف ضمني ينبئ بأن ما جرى كان خارج التوقعات وخارج السيطرة ، وبينما كانت الجلسة مشتعلة بالداخل ، اختار نتنياهو أن يذهب إلى حائط البراق ، بعد أيام عصيبة هزت من صورته ، وخلخلة ثقته أمام الرأي العام والجيش ، وحتى أقرب حلفائه .

لكن خلف كل هذه المشاهد العلنية ، ما الذي جرى فعلا في هذه الحرب ولم يعلن ؟ ، وما الذي تخفيه الكواليس ؟ ، وما حقيقة التسريبات التي تقول بأن ما وصل إلى الإعلام ، ليس هو نصف القصة ؟
يقول أحد النواب الإسرائيليين : هذا الصباح ثقيل جدا ، وسيبقى في ذاكرتنا بطعم مرير .. من الذي قرر أن تتوقف الحرب؟! .. من الذي أعطى الضوء الأخضر لهذا الإيقاف؟!.. الناس اليوم خرجوا من الملاجئ.. عادوا إلى بيوتهم لكن بأي ثمن!.. هل زال الخطر عنا ؟!.. هل ضربنا إيران بما يكفي؟!.. هل اختفت منشآتهم النووية من الوجود؟!.. قد تكون بعض المواقع قد تضررت؟!.. نعم!.. لكن المشروع لم يمحى.. النية ما زالت حية ، والقدرة ستعود ، والتهديد بكل وضوح لم يُرفع بعد!.. إيقاف الحرب الآن هو انتصار سياسي ومعنوي بل وعسكري لإيران ولمن يقف خلفها.. إنه انتصار لمحور كامل يرى في هذه التهدئة علامة ضعف لا علامة حكمة .. ونحن هنا في هذه القاعة ، يجب ألا ننخدع لا بالدقة العسكرية ، ولا بالخطابات الإعلامية المنمقة.. الخطر الذي يهددنا لا يأتي فقط من الصواريخ ، بل من العقيدة العميقة الراسخة للرهان ، والذي يؤمن بأنه يجب على إسرائيل أن تزول .. والأخطر أن إيران باتت تؤمن الآن بأن إسرائيل لن تتجرئ على مواجهة مفتوحة ، وأن حساباتنا صارت مقيدة سياسية أكثر من أن تكون أمنية .. أنا لا أشكك في قدرات الجيش ، لكن أضع علامات استفهام كبيرة حول هذه الحسابات السياسية ، التي حولت ردع إيران إلى مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي ، ولهذا ويكل مسؤولية يكون وقف إطلاق النار الآن خطأ تاريخيا ، وسندفع ثمنه لاحقاً بثمن أبهظ وأخطر وأعمق من كل ما نراه الآن .. ولأننا هنا يجب أن نسأل بصوت عال ، لماذا نشعر أننا ننقاد ؟ .. لماذا تتخذ القرارات الكبرى من دوننا؟ .. من الذي قرر أن الحرب انتهت ؟ .. ومن أعطاهم الحق بوقف إعلان إطلاق النار وكأننا جمهور يتفرج ويشاهد ؟ .. نحن لم نُستشر؟ .. ولم نُحاط علما ، بل وجدنا أنفسنا نصفق لانتهاء جولة ، بينما العدو لا يزال يملك نفس القناعات ونفس الاهداف .. ولنكن صريحين .. هذا لم يحدث لأننا أضعف عسكريا ، بل لأننا أضعف سياسيا ، لأن لدينا رئيس ضعيف يبحث عن إرضاء الآخرين أكثر من إرضاء شعبه .. رجلا يريد الحفاظ على صورته أمام أصدقاءه من القادة ، حتى لو كان ذلك على حساب أمن مواطنيه شخص يخشى العزلة الدولية ، فيقدم تنازلات بلا مقابل ، فقط ليحصل على كلمات تعاطف مؤتمر صحفي أو في بيان غربي .. وبصراحة هو لا يبحث عن ردع إيران ، هو يبحث عن تعاطفهم ليغطي على أخطاءه واخفاقاته وعلى سنوات طويلة من الإدارة المرتبكة .. هذا ما يجب أن نقوله بلا خوف ، وبلا مجاملات .. أنا لا أتكلم كشخص في المعارضة ، وإنما أتكلم كإسرائيلي يرى أن هذه الدولة عارية من الحماية وأن رئيس الوزراء نفسه هو من طمئن الجمهور كذبا وقال إن الرد الإيراني إن حدث سيكون محدودا ويمكن احتواءه .. هل هذا هو الاحتواء ؟!.. أن تقف وزارة الدفاع!.. أن تنها شبكة الاتصالات!.. أن ينتشر الذعر في المستشفيات !.. أن يغلق مطار بون جوريون دون إعلان؟.. هذه حقائق وليست تحليلات صحفية!.. لأول مرة منذ 1973 نشعر أن لا أحد يمسك بالمقود وكل ما يقال الآن يحاول التغطية على فشل ذريع سيكلفنا أكثر مما نتخيل .. ليس فقط أمنيا ، بل وجوديا.

أما الرصاصة الأخيرة فكانت من نصيب تل أبيب ، أطلقتها طهران قبل لحظة فقط من إعلان وقف إطلاق النار ، أو لنكن أكثر دقة ، الحرس الثوري أعلن بنفسه أن آخر الصواريخ البالستية قد وصل إلى هدفه في قلب تل أبيب قبل دقائق معدودة من دخول التهدئة حيز التنفيذ وكأنهم في طهران .. أرادوا أن يضعوا الختم النهائي على هذه الجولة بصاروخ يقول كل شيء إن عدتم عدنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.