بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت كتب الفقة الإسلامي وكتب التفاسير وقصص الأنبياء الكثير عن ذو القرنين، وإن لهذه القصة مجموعة من الحكم والعظات ومنها أنه على الداعي للإسلام أن يكون عالما بالشيء قبل أن يدعو إليه، فقد سأل المشركون الرسول صلى الله عليه وسلم عن خبر ذي القرنين، وكان سؤالهم تحديا له، فهذا سؤال لا يجيبه سوا نبي، فأنزل الله سبحانه آيات من القرآن الكريم تجيبهم على ما سألوا، وأنه يجازي الله تعالى عباده على ما فعلوه، فمن عمل صالحا كانت له الجنة والحسنى، ومن عمل سيئا كان مصيره العذاب في الدنيا والآخرة، وأن قوة البناء كلما كان البناء قويا، كان عمره أطول وأدوم، ولا يستطيع أحد أن ينقضه فذو القَرنين بنى ما بين الجبلين من حديد، ثم أذاب عليه النحاس ليزيده قوة وصلابة.
فلما أراد القوم المفسدون أن يهدموه فشلوا، وعجزوا عن أن يعتلوه لارتفاعه، أو يثقبوه لصلابته، وأيضا الاعتراف بفضل الله فمهما يبلغ الإنسان من مُلك أو سلطان، فلا يجوز أن يشغله ذلك عن شكر نعمة الله، والإقرار بمنه وكرمه عليه، كما فعل ذو القرنين، وأيضا العفة والقناعة، وذلك لما عرض عليه أن يأخذ خراجا في مقابل أن يبني لهم السد، عفّ عن مالهم طمعا فيما أعطاه الله له، وينبغي علينا جميعا أيها المسلمون أن نعلم جيدا بأن الأنبياء معصومون من الوقوع في الرذائل التي تقدح في شرفهم ومكانتهم، فمن العجب أن يسأل مسلم عن قصة بديهية البطلان، لا يرتاب ذو عقل سوي في أنها من الكذب والبهتان والتحريف المفضوح، وقد قال ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والأهواء والنحل.
يذكر فيه بعض من الكذب الذي لا يشك كل ذي مسكة تمييز في أنه كذب على الله تعالى وعلى الملائكة عليهم السلام وعلى الأنبياء عليهم السلام، إلى أخبار أوردوها لا يخفى الكذب فيها على أحد، كما لا يخفى ضوء النهار على ذي بصر، ثم قال في جملة ما ذكر من الدلائل على تحريف تلك الكتب متناقض ما فيها وتالله ما رأيت أمة تقر بالنبوة وتنسب إلى الأنبياء ما ينسبه هؤلاء الكفرة، فتارة ينسبون إلى إبراهيم عليه السلام أنه تزوج إلى أخته فولدت له إسحق عليهما السلام، ثم ينسبون إلى يعقوب أنه تزوج امرأة فدست إليه أخرى ليست امرأته فولدت له أولادا، ومنهم انتسل أنبياء الله موسى وهارون وسليمان وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام، ثم ينسبون إلى روبان بن يعقوب أنه زنى بربيبته زوج النبي أبيه وأم أخويه.
ثم ينسبون إلى نبيه يعقوب عليه السلام أنه فسق بها كرها وافتضها غلبة، ثم ينسبون إلى يهوذا بزناه بامرأة ولديه فحبلت وولدت من الزنا ولدا منه انتسل داود وسليمان عليهما السلام، ثم ينسبون إلى يوشع بن نون أنه تزوج رحب الزانية المشهورة الموقفة نفسها للزنا للكل في مدينة أريحا، وكل هذا هو كذب وبهتان وإفتراء الله تعالى وعلى أنبيائه الكرام عليهم جميعا الصلاة والسلام.