بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد رجع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من الطائف حزينا مهموما بسبب إعراض أهلها عن دعوته، وما ألحقوه به من أذى، ولم يشأ أن يدخل مكة كما غادرها، إنما فضل أن يدخلها في جوار بعض رجالها، خاصة أنه حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، عزمت قريش على منعه من العودة إلى مكة، حتى لا يجد مكانا يؤيه، أو أناسا يحمونه، فقال ابن القيم رحمه الله” فقال له زيد بن حارثه رضى الله عنه للنبى صلى الله عليه وسلم كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟ ويعني قريشا، فقالالنبى الكريم صلى الله عليه وسلم يا زيد، إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا، وإن الله ناصر دينه، ومظهر نبيه، فلما انتهى إلى مكة، أرسل رجلا من خزاعة إلى مُطعم بن عدى، أن أدخل في جوارك؟
فقال نعم، فدعا بنيه وقومه، وقال البسوا السلاح، وكونوا عند أركان البيت، فإني قد أجرت محمدا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام، فقام المطعم على راحلته، فنادى يا معشر قريش، إني قد أجرت محمدا، فلا يهجه أحد منكم، فانتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى الركن، فاستلمه، وصلى ركعتين، وانصرف إلى بيته ومطعم وولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته، وقال ابن الأثير، وأصبح المطعم قد لبس سلاحه هو وبنوه وبنو أخيه فدخلوا المسجد، فقال له أبو جهل يا مطعم، أمجير أم متابع؟ قال بل مجير، قال قد أجرنا من أجرت، ولقد ضرب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حفظ الجميل والوفاء لصاحبه، فبالرغم من أن المطعم بن عدي مات كافرا.
وأن قبوله لإجارة النبي صلى الله عليه وسلم كانت لها جذور تاريخية وقبلية وهي من عاداتهم، إذ كانت العرب في الجاهلية يمنعون من حالفهم أو استجار بهم مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل حافظا لجميل المطعم بن عدي وموقفه معه حتى بعد موته على الكفر قبل غزوة بدر، فلما أسر المسلمون في غزوة بدر سبعين من المشركين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني أى طلب الشفاعة في هؤلاء النتنى لتركتهم له” رواه البخاري، وفي رواية أبي داود يقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” لأطلقتهم له” وقال الخطابي في الحديث إِطلاق الأسير والمن عليه من غير فداء ” وقال ابن حجر في كتابة الفتح.
” بأن ذلك مكافأة له على يد كانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم، وهي إما ما وقع من المطعم حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف ودخل في جوار المطعم بن عدي، أو كونه من أشد من قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب “