بقلم / محمـــد الدكـــروري
إذا تحدثنا عن الإسراء والمعراج، فإن الإسراء هي تلك الرحلة الأرضية وذلك الانتقال العجيب، بالقياس إلى مألوف البشر، الذي تم بقدرة الله تعالى، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والوصول إليه في سرعة تتجاوز الخيال، وأما المعراج فهو الرحلة السماوية والارتفاع والارتقاء من عالم الأرض إلى عالم السماء، حيث سدرة المنتهى، ثم الرجوع بعد ذلك إلى المسجد الحرام، وقد حدثت هاتان الرحلتان في ليلة واحدة وقد اختلف العلماء حول زمنها بالتحديد، وكما أثير حول الإسراء والمعراج جدل طويل وتساؤلات عدة، فيما إذا كانت قد تمت هذه الرحلة بالروح والجسد، أم بالروح فقط؟ ومتى وكيف تمت؟ وعلى الرغم من أن الإسراء والمعراج حدثا في نفس الليلة.
فإن موضعي ورودهما في القرآن الكريم لم يترادفا، بل ذكر الإسراء أولا في سورة الإسراء، وتأخر الحديث عن المعراج إلى سورة النجم، التي وضعت بعد سورة الإسراء في ترتيب سور القرآن الكريم وقد تكون الحكمة في هذا هي جعل الإسراء وهو الرحلة الأرضية، مقدمة للإخبار بالمعراج، وهي الرحلة العلوية التي ذهل الناس عندما أخبروا بها، فارتد عن الإسلام وقتها ضعاف الإيمان، بينما ظل على الإيمان أقوياءه، وفى رحلة الإسراء يقول ابن القيم رحمه الله أنه أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده على الصحيح من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، راكبا على البراق، صحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام، فنزل هناك، وصلى بالأنبياء إماما، وربط البراق بحلقة باب المسجد.
ويقول الله في سورة الإسراء “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير” ويقول الله سبحانه وتعالى وتعالى ” سبحان الذى أسرى بعبده” ومعنى سبحان، أي تنزه الله تعالى في قوله عن كل قول، وتنزه الله عز وجل في فعله عن كل فعل، وتنزه الله سبحانه وتعالى في صفاته عن كل صفات “الذي أسرى” أي الذي أكرم رسوله صلى الله عليه وسلم بالمسير والانتقال ليلا “بعبده” أي بمخلوقه الإنسان الذي اختاره لهذه المهمة العظمى، وهي مهمة هداية البشر جميعا ولم يقل الله سبحانه، بخليله أو بحبيبه أو بنبيه، وإنما قال تعالى بعبده، وفي هذا ملحظ هام وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم حقق مقام العبودية الخالصة لله سبحانه وتعالى.
فكان حقا العبد الكامل، أو الإنسان الكامل، ولأن المطلب الأول للإسلام هو تحقيق العبودية الخالصة لله سبحانه وتعالى وأما فى قوله ليلا “ليلا” وفي هذا دلالة على أن الإسراء كان في جزء من الليل، ولم يستغرق الليل كله، وكان الليل هو وقت الرحلتين لأنه أحب أوقات الخلوة، وكان وقت الصلاة المفضل لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كان هو وقت الصلاة قبل أن تفرض الصلاة بالهيئة والأوقات المعروفة عليها، وكان الإسراء ليلا ليكون أيضا أبلغ للمؤمن في الإيمان بالغيب.