بقلم / عاشور كرم
سَعْد بن أَبي وقاص مالك الزهري القرشي هو أحد العشرة المبشرين بالجنة ومن السابقين الأولين إلى الإسلام فقيل ثالث من أسلم وقيل السابع وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله وقال له النبي: (ارم فداك أبي وأمي ) وهو من الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعده
ولد سعد بن أبي وقاص في مكة واختلف في عام مولده فقيل ولد سنة 23 قبل الهجرة وقيل ولد قبل البعثة بتسع عشرة سنة لأنه قال: (أسلمت وأنا ابن تسع عشرة سنة ) نشأ سعد في قريش واشتغل في بري السهام وصناعة القسي كان سعد رجلا قصيرا، دحداحاغليظا ذا هامة شثن الأصابع جعد الشعر أشعر الجسد آدم أفطس يخضب بالسواد وكان سعد من أحد الناس بصرا فرأى ذات يوم شيئا يزول فقال لمن معه: (ترون شيئًا؟) قالوا: (نرى شيئا كالطائر ) قال: (أرى راكبا على بعير) ثم جاء بعد قليل عم سعد على بختي فقال سعد: (اللهم إنا نعوذ بك من شرِ ما جاء به) كان سعد من أوائل من أسلم حيث كان سابع سبعة في الإسلام أسلم بعد ستة وقيل بعد أربعة وكان إسلامه قبل أن تفرض الصلاة وهو بن تسع عشرة سنة وقيل سبع عشرة سنة وقال أبو القاسم الأصبهاني:(أَسلم وما في وجهه شعْرةٌ في دلالة على صغر سنه وجاء في صحيح البخاري قول سعد: (ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام ) وجاء في سبب إسلامه أنه رأى رؤيا تحثه على الإسلام فعن ابنته عائشة أنه قال: سعد بن أبي وقاص رأَيت في المنام قبل أَن أُسلم كأَني في ظلمة لا أَبصر شيئا إِذ أضاء لي قمر فاتبعته فكأني أنظر إِلى من سبقني إِلى ذلك القمر فأنظر إِلى زيد بن حارثة وإِلى علي بن أبي طالب وإِلي أَبي بكر وكأني أسألهم: متى انتهيتم إِلى هاهنا؟ قالوا: الساعة وبلغني أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إِلى الإِسلام مستخفيا فلقيته في شعب أجياد وقد صلى العصر فأسلمت فما تقدمني أَحد إِلا هم
وكان أبو بكر يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه فكان سعد ممن دعاهم أبو بكر قال بن إسحاق: (فأسلم على يديه يعني أَبي بكر فيما بلغني: الزبير بن العوام وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد اللَّه وسعد وعبد الرحمن بن عوف فانطلقوا حتَى أتوا رسول اللَّه ﷺ وسلم ومعهم أبو بكر فعرض عليهم الإِسلام وقرأ عليهم القرآن وأنبأهم بحق الإِسلام وبما وعدهم اللَّه من الكرامة فآمنوا وأصبحوا مقرين بحق الإِسلام فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا إِلى الإِسلام فصلوا وصدقوا رسول اللَّه ﷺ وآمنوا بما جاء من عند اللَّه ) كما
كانت أم سعد معارضة لإسلامه حيث لما علمت بإسلامه هددته أنها لن تأكل وتشرب حتى تموت لكى تجعله يرجع عن الإسلام فرفض سعد ذلك وأصر على الإسلام فيقول: (نزلت هذه الآية فيَّ: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ثم هاجر سعد إلى المدينة المنورة وشهد غزوة بدر وأحد وثبت فيها حين ولى الناس وشهد غزوة الخندق وبايع في الحديبية وشهد خيبر وفتح مكةوكانت معه يومئذ إِحدى رايات المهاجرين الثلاث وشهد المشاهد كلها مع النبي وكان من الرماة الماهرين استعمله عمر بن الخطاب على الجيوش التي سيرها لقتال الفرس فانتصر عليهم في معركة القادسية وأَرسل جيشا لقتال الفرس بجلولاء فهزموهم وهو الذي فتح مدائن كسرى بالعراق فكان من قادة الفتح الإسلامي لفارس وكان أول ولاة الكوفة حيث قام بإنشائها بأمر من عمر سنة 17 هـ وجعله عمر بن الخطاب في الستة أصحاب الشورى الذين ذكرهم للخلافة بعده وقال: (هم الذين توفي رسول الله ﷺ وهو عنهم راض) اعتزل سعد الفتنة بين علي ومعاوية وتوفى في سنة ٥٥ هـ بالعقيق ودُفِنَ بالمدينة وكان آخر المهاجرين وفاة ولما حضرته الوفاة دعا بخلق جبة له من صوف فقال:( كفنوني فيها فإني كنت لقيت المشركين فيها يوم بدر وهي علي وإنما كنت أخبؤها لذلك ) فكانت وفاته في عهد معاوية بن أبي سفيان سنة خمس وخمسين وقيل سنة ست وخمسين وقيل سنة سبع وخمسين وقال أبو نعيم الملائي: سنة ثمان وخمسين والأول هو الصحيح ومات في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة فحمل إلى المدينة على رقاب الرجال وصلى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة وكان يوم مات بن بضع وسبعين سنة
أرسلت زوجات النبي: (إنا لا نستطيع أن نخرج إليه نصلي عليه وأن يمروا بجنازته في المسجد النبوي ففعلوا فدخلوا به فقاموا على رؤوسهن فصلين عليه وخرج به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد فبلغهن أن الناس عابوا ذلك وقالوا: (ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد) فبلغ ذلك عائشة بنت أبي بكر فقالت: (ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به عابوا علينا أن يمر بجنازة في المسجد وما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في جوف المسجد)
وأخيرا اختتم حديثي بأن
سعد بن أبي وقاص ترك سعد يوم مات مائتي ألف وخمسين ألف درهم ومما يدل على ثرائه أنه كان زكاة عين ماله حين أرسلها إلى مروان بن الحكم