تعد الموشحاتُ من القوالب الغنائية العربية الأصيلة، لارتباطها بأحد فنون الشعر وهو الموشح، وإذا كنا لا نعرف الكثير عن ألحان الموشحات القديمة جداً فإننا نملك ثروةً ضخمة من ألحان موشحات القرنين الماضيين ؛ حيث اجتهد الكثير من الموسيقيين العرب في وضع ألحان مختلفة ومتنوّعة للموشحات . والموشحات تُعد من أجمل القطع الموسيقية والغنائية المناسبة لكل الأوقات، ولكن مع الأسف أدت عوامل عدة إلى تراجع هذا الفن بمعنى عدم تطوره إلى مرحلةٍ جديدة، وهو على طرفي نقيض ؛ فإما هو مهجور من قبل الجيل الجديد الذي ضعفت لديه العربية الفصحى فلم يعد يهتم بما يُغنى بها كالموشحات والقصائد، وإما أنه يُعادُ ويُعادُ في صوره القديمة بألحانها القديمة التي تجمدت مع الزمن ولا يحصل أي تطور فيها، بل المطلوب حقاً أن تنشط حركة تأليف الموشح الأدبي بصفته فناً شعرياً رفيعاً ورائقاً، وأن ينشط أيضاً تلحين الموشح الغنائي بصفته الموسيقية وبمقامات متنوعة تلبّي مختلف مَناحي التعبير، ولعل الجمعية العالمية لفن الموشحات التي أسست أخيراً في المملكة المغربية تقوم بالعمل على تحقيق هذا الأمل العربي. وقد اشتق اسم الموشح من الوشاح وهو رداء موشى بالزخارف أو مرصع بالجواهر ، والمراد بالتسمية إضافة تغييرات على شكل القصيدة التقليدية، وتختلف الموشحات عن القصائد بتنوع الأوزان والقوافى ، وهى تجمع عادة خليطا بين الفصحى والعامية، وربما يسبق وضع اللحن نظم الكلمات فتصاغ على لحن موضوع سلفا. والموشح يتكون من ستة أجزاء، الأول، المطلع والمذهب واللازمة وهو القفل الأول من الموشحات، وقد يحذف من الموشح ويسمى عند ذلك بالأقرع، ثانيها، القفل وهو الجزء المؤلف الذي يجب أن يكون متفقاً مع بقية الأقفال في الأوزان والقوافي، وثالثها، الدور ويتكون من البيت والقفل الذي يليه، ورابعها، السمط وهو كل جزء أو شطر من أشطر البيت، خامس هذه الأجزاء، الغصن وهو كل جزء أو شطر من أشطر القفل، وسادسها، الخرجة أي القفل الأخير من الموشح. ويعود تاريخ الموشحات إلى أكثر من ألف عام حيث ظهر لأول مرة فى الأندلس فى القرن الرابع الهجري ، العاشر الميلادي ، حينما أقدم شعراء الأندلس على تغيير شكل القصائد التقليدية بتعدد القوافي والأوزان في حركة تجديد استهدفت كسر رتابة القصائد ذات الوزن الواحد والقافية الواحدة ثم مزجت اللغة الفصحى بالدارجة في مرحلة لاحقة. يقول ابن خلدون «أول من اخترع الموشحات في الأندلس» مقدم بن معافى القبّري، من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني، وأخذ عنه أبو عمر أحمد بن عبد ربه صاحب كتاب العقد الفريد. ثم برع في الموشحات عبادة بن ماء السماء المتوفى في عام 522هـ، وهو إمام الوشاحين الذي استطاع أن ينشر الموشحات في الأندلس، ثم تلاه مجموعة من الوشاحين الأندلسيين، من أشهرهم: يحيى بن بقي، والأعمى التطيلي، وأبو بكر بن زهر، وأبو بكر بن باجة، وابن سهل، ولسان الدين بن الخطيب. واستمر ازدهار الموشحات فى الأندلس لمدة خمسة قرون إلى وقت سقوط غرناطة في أواخر القرن التاسع الهجري عام 897هـ ، أى فى القرن الخامس عشر الميلادى ، عام 1492م ، لكنها كانت قد انتقلت من قبل سقوط غرناطة إلى سائر البلاد العربية كالمغرب العربى ومصر والشام من ناحية ، ووصلت أصداؤها بلاد أوربا خاصة ألمانيا والنمسا فى بدايات عصر النهضة من ناحية أخرى ، وامتد أثرها إلى أول مؤلفات كلاسيكية لباخ وهايدن وموتسارت ، وهكذا ساهمت حضارة الأندلس في مد الجسور الثقافية بين الشرق والغرب ، غير أن الغرب كان يتمتع بإرث فنى خاص به جعل النهضة الموسيقية الغربية تتطور تطورا هائلا ، وهو استخدام أساليب الهارمونى ، أى الأصوات المتوافقة ، والبوليفونية ، أى الأصوات المتعددة ، التى ترجع أصولها إلى عصر المسرح اليوناني الذى ترجمه ودرسه عرب المشرق أيضا ، لكن العرب لم يهتموا بأى من هذين الأسلوبين وظل الطرب هو ملهمهم الأساسي إلى يومنا هذا وفى أواسط القرن التاسع عشر وصلت الموشحات إلى مجموعة من الفنانين الموهوبين لم يقتصروا على حفظ القديم بل جددوا وأضافوا إليه ، فظهرت موشحات جديدة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين ومن هؤلاء محمد عثمان ملحن ملا الكاسات الذى ساهمت ألحانه القوية واهتمامه بضبط الأداء مع صوت عبده الحامولى الذى وصف بالمعجزة فى انتقال الموشحات من الأوساط الشعبية إلى القصور وأصبح الموشح جزءا أساسيا من الوصلات الغنائية ، واستمر هذا التقليد حتى أوائل القرن العشرين حينما ظهرت باقة من الموهوبين أضافت إلى الموشحات مثل سلامة حجازى وداود حسنى وكامل الخلعى ، حتى وصل إلى سيد درويش فأبدع عدة موشحات كانت بمثابة قمة جديدة وصل إليها هذا الفن ، لكن المفارقة الكبرى تمثلت فى أن سيد درويش نفسه كان كخط النهاية فلم تظهر بعده موشحات تذكر وقد أعيد غناء الموشحات في أواخر الستينات من القرن العشرين كمادة تراثية عن طريق فرق إحياء التراث التى بدأت بفرقتين هما فرقة الموسيقى العربية بقيادة عبد الحليم نويرة فى القاهرة وكورال سيد درويش بقيادة محمد عفيفي بالإسكندرية ، ثم ظهرت فرق أخرى كثيرة فى مصر خاصة فى موجة قوية لاستعادة التراث خلقت جمهورا جديدا من محبى الموشحات والفن القديم ، وتعددت فرق الموشحات إلى حد وجود فرقة بكل مدينة وظهرت فرق في الجامعات لنفس الغرض ، كما غنى الموشحات بعد ذلك مطربون فرادى مثل صباح فخرى وفيروز وظهرت أجزاء من موشحات كمقدمات لأغاني عبد الحليم حافظ وفايزة أحمد وآخرين مثل كامل الأوصاف لحن محمد الموجي وقدك المياس والعيون الكواحل وغيرها