الدكروري يكتب عن سقوط الدولة العملاقة أمام النبي


بقلم / محمـــد الدكـــروري

ذكرت كتب السيرة النبوية الشريفة الكثير والكثير عن غزوات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الغزوات هي غزوة العُسرة أو غزوة تبوك، وكان عندما علمت الرومان بقدوم ثلاثين ألف مسلم فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءتها ذكريات مؤلمة لموقعة مُؤتة، التي لم يمر عليها عامان بعد، حيث ارتبكت الجيوش الرومانية أمام ثلاثة آلاف مسلم فقط، وليس ثلاثين ألفا، ولم يكن في جيش مُؤتة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينما في تبوك النبي صلى الله عليه وسلم، يتوسط جيشه، ولقد حسب الرومان حساباتهم فوجدوا الفرار من هذا الجيش غنيمة، حتى وإن سقطت هيبة الدولة العملاقة، وظهرت بصورة مخزية أمام الدولة الإسلامية الناشئة.

وليس هذا فقط بل فرت أيضا قبائل العرب المُتنصرة حليفة الرومان من هذه الأماكن، مع أن هذا المكان وهو تبوك يدخل في نطاق أرضهم ووطنهم، ولكنهم لم يفكروا أصلا في مبدأ المقاومة، بل وصل بهم الرعب إلى ترك كل شيء والفرار، ولم يكتفى الرسول صلى الله عليه وسلم، بهذا النجاح الباهر، بل أصر على البقاء في تبوك بضعة عشر يوما، وفي رواية عشرين يوما ليثبت للجميع أنه ليس خائفا من الرومان وأعوانهم، مع أنه كان من عادة الجيوش في ذلك الزمن أن يمكثوا في أرض المعركة ثلاثة أيام فقط لإثبات جرأتهم على عدوهم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم، ضاعف المدة إلى عشرين يوما كاملة لضبط الأمن في كل المنطقة، وقد توّج رسول الله صلى الله عليه وسلم رحلته.

بإرسال سرية من المسلمين قوامها أربعمائة وعشرون فارسا بقيادة خالد بن الوليد رضى الله عنه، إلى دُومة الجندل، والتي تبعد عن تبوك بكثير، وذلك لأسر أكيدر بن عبد الملك الكندي، وكان ملكا نصرانيا وقد ساعد الرومان في حربهم ضد المسلمين، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، القائد خالد بن الوليد رضى الله عنه، أنه سيجد أكيدر يصطاد البقر خارج حصنه، فليأت به، وسبحان الله، كما أخبر صلى الله عليه وسلم، وجد خالد بن الوليد رضى الله عنه، أكيدر خارج الحصن يصطاد فأسره، وأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صالحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك على الجزية، وحقن له دمه، ولم يقف نجاح هذه الحملة العسكرية عند هذا الحد.

بل أتى ملوك وأمراء مدن الشام المتاخمة للجزيرة العربية يصالحون رسول الله صلى الله عليه وسلم، على الجزية، ومن هؤلاء صاحب أيلة، وهو يُحنة بن رؤبة، وكذلك أتاه أهل جرباء، وأهل أذرح، وأهل مقنا، ولقد تم هذا النصر المبين دون أن يُرفع سيف، عدا المناوشات البسيطة التي تمت عند أسر أكيدر بن عبد الملك، ولقد أظهر الله عز وجل، طرقا عديدة لتحقيق النصر للمسلمين، فتارة يجري القتال العنيف الشرس بين المسلمين وأعدائهم كما في بدر، وتارة يصبر المسلمون على حصار عدوهم لهم كما في الأحزاب، حتى ينصرفوا دون نتيجة، وتارة يحاصر المسلمون أعداءهم فينزلون على رأي المسلمين دون قتال، كما في غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم.

مع اليهود في بني قينقاع، وبني نضير، وبني قريظة، وتارة ينزلون على حكم المسلمين بعد قتال كما في خيبر، وتارة لا يفتح حصن يحاصره المسلمون، ولكن يأتي بهم الله بإرادتهم كما في أهل الطائف، وتارة لا يكون هناك قتال بالمرة كما هو الحال هنا في غزوة تبوك، ولقد الله الله تعالى فى كتابة العزيز فى سورة التوبة “قل هل تربصون بنا إلا أحدى الحسننين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.