بقلم / محمـــد الدكـــروري
قيل أن الأسباط هم حفدة نبى الله يعقوب ذراري أبنائه الاثني عشر، ويقول الله سبحانه وتعالى ” ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما” فهذا صريح في أن الأسباط هم الأمم من بني إسرائيل كل سبطة أمة لا أنهم بنوه الاثنا عشر، بل لا معنى لتسميتهم قبل أن تنتشر عنهم الأولاد أسباطا، فالحال أن السبط هم الجماعة من الناس، ومن قال أن الأسباط أولاد يعقوب لم يرد أنهم أولاده لصلبه، بل أراد ذريته كما يقال بنو إسرائيل وبنو آدم، فتخصيص الآية ببنيه لصلبه غلط لا يدل عليه اللفظ، ولا المعنى، ومن ادعاه فقد أخطأ خطأ بينا، والصواب أيضا هو أن كونهم أسباطا إنما سموا به من عهد نبى الله موسى عليه السلام للآية المتقدمة، ومن حينئذ كانت فيهم النبوة.
فإنه لا يعرف أنه كان فيهم نبي قبل نبى الله موسى إلا يوسف عليهما السلام، ومما يؤيد هذا أن الله تعالى لما ذكر الأنبياء من ذرية الخليل إبراهيم عليه السلام وقال ومن ذريته داود وسليمان كما ذكرت الآيات، فذكر نبى الله يوسف ومن معه، ولم يذكر الأسباط فلو كان إخوة يوسف نبئوا كما نبئ يوسف لذكروا معه، وأيضا فإن الله يذكر عن الأنبياء من المحامد والثناء ما يناسب النبوة وإن كان قبل النبوة كما قال عن نبى الله موسى ” ولما بلغ أشده ” وقال في نبى الله يوسف كذلك، وفي الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم ” أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم نبي من نبي من نبي ” فلو كانت إخوته أنبياء كانوا قد شاركوه في هذا الكرم، وهو تعالى لما قص، قصة نبيه يوسف عليه السلام.
وما فعلوا معه ذكر اعترافهم بالخطيئة وطلبهم الاستغفار من أبيهم، ولم يذكر من فضلهم ما يناسب النبوة، ولا شيئا من خصائص الأنبياء، بل ولا ذكر عنهم توبة باهرة كما ذكر عن ذنبه دون ذنبهم، بل إنما حكى عنهم الاعتراف وطلب الاستغفار، ولا ذكر سبحانه عن أحد من الأنبياء لا قبل النبوة ولا بعدها أنه فعل مثل هذه الأمور العظيمة من عقوق الوالد، وقطيعة الرحم وإرقاق المسلم وبيعه إلى بلاد الكفر والكذب البين، وغير ذلك مما حكاه عنهم، ولم يحكى عنهم شيئا يناسب الاصطفاء، والاختصاص الموجب لنبوتهم بل الذي حكاه يخالف ذلك بخلاف ما حكاه عن يوسف، ثم إن القرآن الكريم يدل على أنه لم يأت أهل مصر نبي قبل نبى الله موسى سوى يوسف لآية غافر، ولو كان من إخوة نبى الله يوسف نبي.
لكان قد دعا أهل مصر، وظهرت أخبار نبوته، فلما لم يكن ذلك علم أنه لم يكن منهم نبي، فهذه وجوه متعددة يقوي بعضها بعضا، وقد ذكر أهل السير أن إخوة نبى الله يوسف كلهم ماتوا بمصر وهو أيضا، وأوصى بنقله إلى الشام فنقله نبى الله موسى عليه السلام، وإن الحاصل أن الغلط في دعوى نبوتهم حصل من ظن أنهم هم الأسباط، وليس كذلك، إنما الأسباط ذريتهم الذين قطعوا أسباطا من عهد موسى، وكل سبط أمة عظيمة، ولو كان المراد بالأسباط أبناء يعقوب لقال ويعقوب وبنيه فإنه أوجز وأبين، واختير لفظ الأسباط على لفظ بني إسرائيل للإشارة إلى أن النبوة إنما حصلت فيهم من حين تقطيعهم أسباطا من عهد نبى الله موسى، هذا كله كلام ابن تيمية.