الدكروري يكتب عن الرئاسة في كتابات ابن خلدون


بقلم / محمـــد الدكـــروري

ذكرت المصادر الإسلامية كما جاء في كتب التاريخ الإسلامي الكثير عن أئمة الإسلام والمسلمين والذي كان من بينهم الإمام إبن خلدون، وقيل أنه بعد أن تعرض ابن خلدون لمفهوم العصبية وأسباب وجودها أو فقدانها، انتقل إلى موضوع حساس وهام، مبينا دور العصبية فيه، ألا وهو موضوع الرئاسة الذي سيتطور في العمران الحضري إلى مفهوم الدولة فأثناء مرحلة العمران البدوي يوجد صراع بين مختلف العصبيات على الرئاسة ضمن القبيلة الواحدة، أي ضمن العصبية العامة حيث إن كل حي أو بطن من القبائل، وإن كانوا عصابة واحدة لنسبهم العام، ففيهم أيضا عصبيات أخرى لأنساب خاصة هي أشد التحاما من النسب العام لهم مثل عشير واحد أو أهل بيت واحد أو أخوة بني أب واحد.

لا مثل بني العم الأقربين أو الأبعدين، فهؤلاء أقعد بنسبهم المخصوص، ويشاركون من سواهم من العصائب في النسب العام، والنعرة تقع من أهل نسبهم المخصوص ومن أهل النسب العام، إلا أنها في النسب الخاص أشد لقرب اللحمة ومن هنا ينجم التنافس بين مختلف العصبيات الخاصة على الرئاسة، تفوز فيه بطبيعة الحال العصبة الخاصة الأقوى التي تحافظ على الرئاسة إلى أن تغلبها عصبة خاصة أخرى وهكذا ولما كانت الرئاسة انما تكون بالغلب، وجب أن تكون عصبة ذلك النصاب أي أهل العصبية الخاصة، أقوى من سائر العصبيات ليقع الغلب بها وتتم الرئاسة لأهلها فهذا هو سر اشتراط الغلب في العصبة، ومنه تعين استمرار الرئاسة في النصاب المخصوص، ويحدد ابن خلدون مدة وراثة الرئاسة.

ضمن العصبية القوية بأربعة أجيال على العموم، أي بحوالي مائة وعشرين سنة في تقديره، ذلك بأن باني المجد عالم بما عاناه في بنائه ومحافظ على الخلال التي هي سبب كونه وبقائه، وبعده ابن مباشر لأبيه قد سمع منه ذلك وأخذ عنه، إلا أنه مقصر في ذلك تقصير السامع بالشئ عن المعاين له ثم إذا جاء الثالث كان حظه في الاقتفاء والتقليد خاصة فقصر عن الثاني تقصير المقلد عن المجتهد ثم إذا جاء الرابع قصر عن طريقتهم جملة وأضاع الخلال الحافظة لبناء مجدهم واحتقرها وتوهم أن أمر ذلك البنيان لم يكن بمعاناة ولا تكلف، وإنما هو أمر واجب لهم منذ أول النشأة بمجرد انتسابهم وليس بعصبية، واعتبار الأربعة من الأجيال الأربعة بان ومباشر ومقلد وهادم، وبذلك ينهي ابن خلدون نظريته المتعلقة بالسلطة.

أثناء مرحلة العمران البدوي ويخلص إلى نتيجة أن السلطة في تلك المرحلة مبنية أساسا على العصبية بحيث لا يمكن أن تكون لها قائمة بدونها، وانطلاقا من نظريته السابقة المتعلقة بدور العصبية في الوصول إلى الرئاسة في المجتمع البدوي، واصل ابن خلدون تحليله على نفس النسق فيما يتعلق بالسلطة في المجتمع الحضري مبينا أن العصبية الخاصة بعد استيلائها على الرئاسة تطمح إلى ما هو أكثر، أي إلى فرض سيادتها على قبائل أخرى بالقوة، وعن طريق الحروب والتغلب للوصول إلى مرحلة الملك وهذا التغلب هو الملك، وهو أمر زائد على الرئاسة، فهو التغلب والحكم بالقهر، وصاحب العصبية إذا بلغ رتبة طلب ما فوقها معتمدا في تحقيق ذلك أساسا وبالدرجة الأولى على العصبية، حيث أن الغاية التي تجري إليها العصبية هي الملك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.