وأذكر إسم ربك وتبتل إليه تبتيلا

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم أما بعد، لقد حث الله سبحانه وتعالي نبيه المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم وكل مؤمن من بعده أن يذكره سبحانه وأن ينقطع إليه انقطاعا تاما، وألا يشغله غيره عنه، فقال مخاطبا إياه ” واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا” وقال ابن كثير رحمه الله “أي أكثر من ذكره، وانقطع إليه، وتفرغ لعبادته إذا فرغت من أشغالك وما تحتاج إليه من أمور دنياك” وقال ابن سعدي رحمه الله “أي انقطع إلى الله تعالى فإن الإنقطاع إلى الله والإنابة إليه، هو الإنفصال بالقلب عن الخلائق، والإتصاف بمحبة الله، وكل ما يقرب إليه ويدني من رضاه “.

وإنه ينبغي علينا تجديد الإيمان في القلوب لأن القلوب قست والأخلاق تدنت والعلاقات بردت والفواحش انتشرت والآثام طغت، كل ذلك لمّا إبتعدت القلوب عن علّام الغيوب ونأت الأفهام عن التدبر في آيات الواحد العلّام، فالإيمان سبب في لين القلوب ورفعة الأخلاق وصدق العلاقات في مابين العبد وربه وبين العبد ونفسه وبين العبد والآخرين وهو سبب أيضا في دحر الشر ورفع الظلم ومحاربة الشرور والفساد بكل صوره، وإنه ينبغي علينا تجديد الإيمان في القلوب لأن الفتن والإبتلاءات التي تحيط بنا من كل مكان لها أثر على القلب فقد تكون سببا في تشاؤمه وقنوطه أو في ضعفه وشروده أو في انتكاسته وموته، ونعوذ بالله من الحور بعد الكور لذلك فقد سأل الحبيب المصطفي عليه الصلاة والسلام ربه الثبات على الحق.

ومن الأسباب أيضا لتجديد الإيمان في القلوب هو عزوف المؤمن عن محاضن الإيمان التي تعيده إلى سابق إيمانه وتذكره بجميل فطرته وإبتعاده أيضا عن الصحب الأوائل الذين كانوا يذكرونه بالله ويحفزونه للمضي قدما نحو طريق ” إياك نعبد وإياك نستعين ” وعدم محاكاته مجددا للقدوات الذين كان يحاكي سيرهم ويقتدي بنهجهم، إما بشغل دنيوي أو كبر وتعالي على المنهج والقدوات والأصحاب أو بسذاجة وجهل ولله المشتكى، فضعف إيمانه وقسى قلبه لما إستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وإن من الأسباب المعينة لتجديد الإيمان في القلوب هو تحقيق معنى التقوى في القلوب، فالتقوى وصية الله للأولين والآخرين، والتقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل ما أمرك به وبترك ما نهاك عنه، وقال ابن مسعود عن التقوى.

“هي أن يطاع الله فلا يعصي ويذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر” وقال طلق بن حبيب رحمه الله “التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله” فكلما عملت بهذه القاعدة كلما زاد إيمانك في قلبك وخشيتك من ربك وطاعتك لنبيك عليه الصلاة والسلام، فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، والتقوى أن تستشعر مراقبة الله لك في السر والعلن حتى لا تنحرف عن الجادة، ولا تتنكب طريق الحق وأن تتأمل نعمه عليك الظاهرة منها والباطنة فتداوم على عبادته وشكره وأن تعمل لتلك النهاية الحتميّة والساعة التي لابد منها وهي ساعة فراقك لهذه الدنيا يقول علي رضي الله عنه ” التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والإستعداد ليوم الرحيل “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.