مقادير وطريقة عمل الفتنة

بقلم / عبير مدين

نحن في زمن الفتن حقيقة أصبحت لا تقبل التشكيك، الحديث عن الدين إما أن تجمع العديد من الأنصار و التابعين وتصبح قديسا أو تصبح في نظر البعض ملحدا أو علمانيا، أو أداة في يد أحدهم لهدم الدين!. لم نتعلم من دروس الماضي لست أدري هل هو الغباء؟ أم مخطط مدروس لشغل الناس مابين البحث عن لقمة العيش و الخوف من ضياع الآخرة بعد أن ضاعت الدنيا في مشاكل لا حصر لها؟!
وفتنة المتشابهات من القضايا التي يصعب الحكم مَن مِن أطرافها على حق ومن منهم الفئة الباغية؟! لأن لو تبينا الحقيقة لحسمنا الأمر و ما أصبحت فتنة.
والفتن قد لا تحدث صدفة لكن قد تصنع فإذا أردنا أن نصنعها علينا ببساطه أن نترك الناس تتحدث في الدين، ثم يبدأ نجم أحدهم يلمع ويصبح له مؤيدين كُثر، كل هذا على مرأى ومسمع من الدولة والمؤسسات الدينية والأمنية والإعلامية!، وتترك الناس تطلق عليه من الألقاب البراقة ما تشاء و تسبغ عليه من صفات القداسة حتى إذا ما وقع في سقطة أو في فخ نصبه له الأعداء سارعت الدولة والمؤسسات الدينية تنكر معرفتها به وتستنكر ما كان!، ثم يعتدل أحد المسؤولين في جلسته خلف مكتبه المكيف ويقول من هذا؟! لا ادري كيف ولا لما ولا أين حدث هذا؟! و لا تربطنا بهذا الشخص أي صلة!
فهل كان هذا الرجل يذيع برامجه ويمارس الدعوة من خلال قنوات سرية؟! وهل كانت منشوراته و تعليقاته على وسائل التواصل الاجتماعي مكتوبة بحروف خفيه فلم يتنبه المسؤولين أنها عدائية وتحرض على …، …؟!
الحقيقة لا أتهم من إمتهن الدعوة ولا علم لي إن كان الرجل عمله خالصا لوجه الله أو ابتغاء الشهرة والمال فهذا يعلمه الله وحده ولا يمكن لأحد الحكم عليه.
لكن ما أراه رغم كثرة اتباع هؤلاء الرجال فإن المساجد تكاد تكون خالية من المصلين إلا في الأيام الأولى من شهر رمضان فأين اذا تأثيرهم في الناس؟ وإقناعهم بإقام الصلاة التي هي عماد الدين وأبسط مظاهر الاسلام ؟! أو أن يقنعوا الناس بمكارم الأخلاق والتسامح والمحبة وقبول الآخر فإن ما نراه من انهيار أخلاقي وجرائم عنف يعلن فشلهم في مهمتهم الدعوية التي تبنوها.
العديد من الدعاة انشغل فقط بالمناداة لإحياء سنة تعدد الزوجات وتكفير كل من يخالفهم الرأي وتحريم تهنئة أهل الكتاب بمناسباتهم الدينية، أو الدعاء للمسلمين فقط بالشفاء، أو الحديث عن فتاوى عف عليها الزمن ولا ندري في أي مناسبة تمت الفتوى بها؟، أو الحديث عن المرأة وكأنها محور كل الشرور حتى أن أحد العلماء صرح إذا أرادت الحفاظ على حياتها فعليها أن تخرج من البيت قفة! فتضمن تصريحه استباحتها إذا خرجت على غير هذه الهيئة!.
حتى أننا معشر النساء شعرنا بأن قريبا سوف نسمع دعوة لوأد البنت!
ثم ماذا ؟ ثم بعد أن يكثر القيل والقال و تشتعل البرامج ووسائل التواصل الاجتماعي بالحرب الكلامية بين مهاجم و مدافع يخرج علينا أحد المسؤولين بخطاب ركيك هزيل متأخر عن موعده سنوات و سنوات يعلن به تبرأ الدولة والمؤسسات الدينية من هذا الداعية!.
لنجد أنفسنا بعدها أمام عدة فئات وسيناريوهات:
فئة تدافع و ترى الرجل ضحية مكيدة فتتعصب له و تستميت في الدفاع عنه وعن معتقداتها لدرجة تصل إلى حد العنف إلى أن تصبح في نظر المجتمع مجموعة إرهابيين وهؤلاء لا مشكلة من ملاحقتهم أمنيا ولا يهم أن يصبح بين الأجهزة الأمنية وبينهم و ذويهم ثأر و خصومه،
فئة تهاجمه عندما تتبين أنه خدعهم وقد تفقد الثقة في كل رجال الدين وتبدأ تبحث وتفسر و تفند وتحاول تصحيح بعض المفاهيم التي يعتقدون من وجهة نظرهم أنها مغلوطة أو تسيء إلى الدين وهؤلاء نلصق بهم لقب علمانيين أو ملحدين أو نبحث لهم عن أي مسمى.
فئة بعد محاكمة هذا الداعية بتهمة ممارسة المهنة بدون تصريح او بعد انحصار الأضواء عنه أو بعد اعتزاله الدعوة لسبب أو لآخر تبحث عن رمز آخر تجتمع خلفه خشية أن تضل الطريق لأنها لا تستطيع البحث عن الحقيقة بنفسها ولا بأس بأن يكون الرمز الجديد ابن هذا الداعية أو أحد تلاميذه فنعود لنفس الدائرة من جديد ويصبح الأمر مجرد تغيير وجوه.
عند هذا نجد المجتمع انقسم أحزابا واحتمال أن يحدث صراعا بعد أن يصبح كل قسم يدافع عن موقفه بضراوة، بل أن هذا الانقسام يحدث داخل الأسرة الواحدة ويصل حد الخصومة!
ونجد الدين الواحد أصبح فرقا عديدة ولا ندري أي فرقة منهم على خير والجميع يرى أنه الأصح.
وهناك من يراقب ما يحدث باهتمام ويبتسم بخبث لأن الناس في شغل شاغل عن الأزمات التي تمر بها البلاد وكأنها عملية إلهاء للناس الذين يتغنون وقف الخلق ينظرون كيف أبني قواعد المجد وحدي! وهكذا تصنع الفتنة بين أبناء الوطن بمباركة الدولة والمؤسسات الدينية التي لم تعلن موقفها منذ البداية قبل أن نصبح في ورطة و مشكلة تنمو و تتفرع و تثمر وتلقي بظلال قاتمة على الجميع و تعوق أي شعاع نور يحاول التسلل و إضاءة الطريق.
علينا أن نلتزم الحياد و نتجنب التعصب وندرك أن الداعية بشر غير معصوم من الخطأ إن أخطأ فلا نرفعه لدرجة القداسة و نفهم قبل فوات الأوان أن الخلق من سائر الأمم وقفوا ينظرون فعلا لكن ليس كيف نبني قواعد المجد وحدنا لأننا توقفنا عن بناءه منذ قرون طويلة لكنهم وقفوا ينظرون بدهشة كيف نتغنى بالماضي ونحن في الوقت الحالي نغرق في مستنقع الفرقة واصبحنا لا نقدم ما يفيد البشرية ولا ما ينفعنا و عجزنا حتى عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء فأصبحت ملامح المستقبل غامضة و مشوهة!، و أبدعنا في صناعة فتن تجعل الأخ يعادي أخاه لأنه يختلف مع شيخه!
مازلت أؤكد أني لا الوم هؤلاء الدعاة لأنهم ما تكلموا إلا بقناعاتهم الشخصية وفق فهمهم لفتاوى كتب التفسير، لا الوم إلا الدولة بكافة مؤسساتها الدينية والأمنية والإعلامية التي لم تمنح صفة شرعية صريحة منذ البداية لأي رجل يمتهن الدعوة أو تمنعه من العمل قبل أن يزداد الأمر سوءاً وتترك الأمور حسب الظروف و الصدف و تتركنا نتخبط و نكيل الإتهامات لبعضنا البعض تارة بالتكفير، وتارة بالتشدد، و تارة بالإرهاب، وتارة أخرى أنهم مجموعة مغضوب عليهم و ضالين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.