بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن من أعظم الفساد فى الأرض هو قتل الناس بغير حق مهما كانوا، مسلمين أو غيرهم، مع أن هذه الآية جاءت في حادثة مخصوصة فقد نزلت في قوم من العرنيين “عكل أو عرينة” وقد أصابهم مرض في المدينة، حيث لم يوافقهم هواؤها، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبل ليشربوا منها ومعهم الراعي بأن يخرجوا من المدينة، فلما تشافوا وتعافوا من مرضهم قتلوا الراعي، وقتلهم للراعي كان فظيعا، حيث إنهم قطعوا يديه ورجليه وغرزوا الشوك في عينيه وتركوه في الشمس حتى مات ثم استاقوا النعم، هنا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يقبض عليهم فتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، فهؤلاء قوم سرقوا وعذبوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
إذا الآية كما قال أهل العلم ليست مخصوصة بزمن أو أمة، فهي في من خرج يقطع السبيل ويسعى في الأرض بالفساد، وهي بالمحارب الذي يحمل على الناس في المدن والبرية وكابرهم عن أنفسهم وأموالهم من دون ثائرة أى هائجة، ولا عداوة، فإن إخافة السبيل وأخذ المال يوجبان قطع اليد والرجل لإخافته لهم وأذيتهم في حياتهم وطرائق أحوالهم، فهذه العقوبة الشديدة تردعهم، ومن يحاول في المستقبل أن يقترف مثلهم من الآثام والمحارم المتعلقة بحقوق الناس، فكلما تغلظت العقوبة وطبقت في الحال ولم تتأخر كان فعلها في غيرهم أبلغ، وإن المفسدون مع إفسادهم يكرهون الناصحين، ويعيبون على غيرهم ما يعاب عليهم، وقد أصمهم الهوى والطغيان عن مجرد الالتفات للناصحين، فضلا عن سماع المخلصين.
وربما بلغ بهم الأمر أن لبسوا الناصحين بالفساد والإفساد، ولكن الله عالم السر وأخفى، وعباد الله يميزون الخبيث من الطيب، والمجتمعات الواعية هي التي تقبل النصح، وفي تاريخنا، ولقد كان النهي عن الفساد وظيفة مهمة للرسل عليهم الصلاة والسلام فنبى الله صالح عليه السلام قال لقومه كما جاء فى سورة الأعراف ” فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا فى الأرض مسرفين” ونبى الله شعيب عليه السلام قال لقومه كما جاء فى سورة هود ” ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا فى الأرض مفسدين ” ونبى الله لوط عليه السلام قال لقومه كما جاء فى سورة العنكبوت ” رب انصرنى على القوم المفسدين ” وهكذا حارب المرسلون الفساد، وهتكوا أستار المفسدين، وكان الناهون عن الفساد بقية من القرون يستحقون الإشادة والفضل.
فقال الله تعالى فى سورة هود ” فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد فى الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم ” وإن المفسدون لهم اللعنة ولهم سوء الدار، وأهل الفساد يزدادون عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون، ولا يستوي بحال أهل الإصلاح وأهل الإفساد، فقال الله تعالى فى سورة ص ” أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض ” وإن المنافقون غارقون في الفساد، مزيفون للحقائق، ليسوا أصحاب فساد فحسب، بل يلبّسون على الناس، ويظهرون باسم الإصلاح، فتتعدد صور الفساد، فهناك فساد في القيم، وآخر في الذمم، وهناك فساد فردي وجماعي، فساد على مستوى الكبار والصغار، وهناك فساد ظاهر وباطن، وهناك فساد ذكوري وأنثوي، وهكذا تتنوع صور الفساد.
ومهما وضعت هيئات لمكافحة الفساد، أو وجدت رقابة على المفسدين، فيبقى حياة الضمائر، والخوف من الجليل، وكره الفساد والمفسدين، والجرأة في إنكار الفساد، ومحاصرة المفسدين، والوعي بحجم الفساد وأثر المفسدين هي الضمانات الأقوى لمحاربة هذا الداء العضال، وخنوس المفسدين، على أن أهل الإسلام يفترض أن يكونوا أقل البيئات لنمو الفساد، فلديهم من حرمات الشريعة، وتعظيم الشعائر، والأوامر والنواهي الربانية ما يطرد الفساد، وويل للشعوب والأمم إذا حل الفساد بأهل العقائد والذمم، وويل لمن يؤتمن ثم يخون، وهنا يحق للمتعوذ أن يتعوذ من الفساد كما جاء فى سورة الممتحنة ” ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ” فعليكم بمقاومة نزغات الفساد في ذوات أنفسكم، ولا ترضوه من غيركم.