بقلم / عاشور كرم
عقبة بن نافع الفهري القرشي ولد قبيل ٨ هـ أو ١٠ هـ وهو وقائد عسكري من أبرز قادة الفتح الإسلامي للمغرب في عهد الخلافة الراشدة ثم الدولة الأموية ووالي إفريقية مرتين ( ٤٧ – ٥٥ هـ) و ( ٦٢ – ٦٣ هـ) في عهدي معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية. يلقب بفاتح إفريقية
ولد عقبة في بني فهر بن مالك من قبيلة قريش في مكة على عهد النبي محمد لكن لم ير النبي ولم يسمع منه واشترك عقبة في عهد عمر بن الخطاب في الجيش الذي توجه لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص ولما فتح المسلمون مصر بعث عمرو بن العاص إلى القرى حولها الخيل تطوهم فبعث عقبة بن نافع بن عبد قيس على رأس الجند فدخلت خيولهم أرض النوبة غزاة فلقي المسلمون من النوبة قتالا شديدا ففي أول يوم رشقوهم بالنبل وجرح منهم عامتهم وانصرفوا بجراحات كثيرةفلم تفتح النوبة ورجع عقبة بالجند وظلت النوبة لم تفتح حتى ولي مصر عبد الله بن سعد بن أبي السرح فسأله أهل النوبة الصلح والموادعة فأجابهم إلى ذلك واصطلحوا على غير جزية على هدية ثلاثمائة رأس في كل سنة ويهدي إليهم المسلمون طعاما مثل ذلك وفي عهد معاوية عزل عقبة عن إفريقية سنة ٥٥ هـ وولي أبو المهاجر دينار عليها فأساء إلى عقبة واعتقله وسجنه وألبسه الحديد حتى أتاه كتاب من معاوية بتخلية سبيله وإرساله إليه فسار عقبة إلى دمشق وظل بها حتى وفاة معاوية ثم ولاه يزيد بن معاوية مرة أخرى على إفريقية سنة ٦٢ هـ فدخلها وافتتح الجريد وتاهرت وقاتل أوربة فهرب زعيمهم كسيلة وصالح يليان حاكم طنجة وسبتة ثم افتتح السوس الأدنى والسوس الأقصى حتى وصل إلى المحيط
وصل عقبة إلى بلاد جزولة في السوس الأقصى واتصل بقبائلها فأسلمت ثم قرر عقبة العودة إلى القيروان وفي طريق العودة استمعت له الكثير من القبائل ودخلت في الإسلام وانضم بعض رجالها إلى الجيش الإسلامي وترك عقبة أحد أصحابه في منطقة وادي تنسيفت في منتصف المسافة بين مدينتي مراكش والصويرة حاليا يدعى (شاكر) لتعليم البربر أصول الإسلام وهذا الموضع عرف باسم هذا التابع فهو (رباط شاكر) أو (رباط سيدي شاكر) أو (سيدي شيكر) حسب النطق الدارج بتلك الأنحاءوحتى ذلك الوقت لم يجد عقبة مقاومة جديةلكنه عندما دخل بلاد دكالة ودعا أهلها إلى الإسلام امتنعوا عليه ودبروا الغدر به بحسب الظاهر فقاتلهم وهزمهم لكن ذلك كلف المسلمين غاليا إذ قتل الكثير منهم بما فيهم عدد من القادة فسمي ذلك الموضع بـ (مقبرة الشهداء) ثم تابع سيره حتى وصل إلى بلاد هسكورةحيث يقول بعض الباحثين أن معركة أخرى جرت بين المسلمين وأهل تلك الأصقاع انتهت بهزيمتهم فيما قال آخرون أن بربر هسكورة فروا من أمام عقبة وأنه لم يقاتله أحد بعد ذلك من أهل المغرب كما تم بناء مسجد عقبة بن نافع بمدينة سيدي عقبة التي سميت على اسمه بالقرب من موضع مقتله بولاية بسكرة
ولما بلغ عقبة مدينة طبنة صرف رجال عساكره إلى القيروان حتى بقي في قلة من جنده يقدر عددهم بحوالي ٣٠٠ رجل فقط معظمهم من الصحابة والتابعين فاستغل كسيلة ذلك للثأر من المسلمين واتصل بالروم والفرنجة وحشد منهم ومن قبائل البربر غير المسلمة جيشا قوامه خمسون ألف مقاتل تقريبا واعترض عقبة ومن معه عند تهودة في الزاب جنوب جبال الأوراس فلما رأى عقبة جيش العدو أيقن بالنهاية فأخلى سبيل أبي المهاجر وطلب منه الانصراف إلى المشرق وكذلك من المسلمين الذين يرغبون في العودة وصمم هو على أن يقاتل في سبيل الله لكن أبا المهاجر رفض وأفراد الجيش بل أن أبا المهاجر رفض أن تفك قيوده كي لا يغرى بالانسحاب ونزل هو والجنود عن خيولهم وكسروا أغماد سيوفهم كي لا تعاد فيها وسرعان ما اشتبك عقبة ورجاله مع جيش كسيلة في معركةٍ غير متكافئة فقتل عقبة وأبو المهاجر وأغلب الجيش ووقع في الأسر قلة منهم محمد بن أوس الأنصاري ويزيد بن خلف العبسي افتداهم ابن مصاد البربري المسلم صاحب قفصة وأرسلهم إلى زهير بن قيس البلوي نائب عقبة على القيروان وذكرت أغلب المصادر أن المكان الذي قتل فيه عقبة ورفاقه هو بلدة تهودة من بلاد الزاب بالقرب من بسكرة وروي عن شهر بن حوشب أن النبي نهى عن سكن تهودة وقال: (سوف يقتل بها رجال من أمتي على الجهاد في سبيل الله تعالى ثوابهم كثواب أهل بدر وأهل أحد وأنهم ما بدلوا حتى ماتوا ) وجاء عن شهر أنه قال: (سألت جماعة من التابعين عن هذه العصابة التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذلك عقبة بن نافع وأصحابه قتلهم البربر والنصارى بمدينة يقال لها تهودة فمنها يحشرون يوم القيامة وسيوفهم على عواتقهم حتى يقفوا بين يدي الله عز وجل ) وحكم علماء الحديث على هذا الحديث بالوضع لأن راوية إِسحاق بن أبي عبد الملك الملشوني كان يضع الأحاديث وسمِيت المنطقة المجاورة بسيدي عقبة ويقع اليوم مسجد وضريح ينسب لعقبة بن نافع في مسجد (عقبة بن نافع ) بمدينة سيدي عقبة التي تبعد عن مدينة بسكرة بحوالي ٢٠ كم وهو المسجد الذي ذكره بن خلدون وقال فيه: (إنه أشرف مزار في بقاع الأرض لما توفر فيه من عدد الشهداء والصحابة التابعين ) ويعد ثالث أقدم المساجد في المغرب العربي بعد مسجد القيروان ومسجد أبي المهاجر دينار
وكانت وفاته ٦٣هـ٦٨٣ م
وأخيرا اختتم حديثي بأن
صفات عقب بز نافع
قال عنها شمس الدين الذهبي: كان ذا شجاعة وحزم وديانة وقال مفضل بن فضالة: كان عقبة بن نافع مجاب الدعوة فذكر الواقدي أن القيروان كانت غيضة لا يرام من السباع والأفاعي فدعا عليها فلم يبق فيها شيء وهربوا حتى إن الوحوش لتحمل أولادها وروى عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: لما افتتح عقبة إفريقية قال: يا أهل الوادي إنا حالون إن شاء الله فاظعنوا ثلاث مرات فما رأينا حجرا ولا شجرا إلا يخرج من تحته دابة حتى هبطن بطن الوادي ثم قال للناس: انزلوا بسم الله ويروى أنه سلك طريقا وعرة ليس فيها ماء فأصابه وأصحابه العطش فجعل فرس عقبة ينبش برجليه في الأرض حتى ظهرت صخرة فانفجر الماء من حولها فأمر عقبة بحفرها فخرج الماء وشربوا جميعا وسمى هذا المكان بـ (ماء فرس فكان عقبة يلقب بـ (عقبة المستجاب )