حب الدنيا وداعي الهوي


بقلم / محمـــد الدكـــروري

كم من المجتمعات المسلمة من طغى عليهم حب الدنيا فاستجابوا لداعي الهوى، والنفس الأمارة بالسوء والفحشاء حتى أدى بهم ذلك إلى اقتراف المنكرات، يساعد على ذلك ويذكيه في نفوسهم واقع القنوات الفضائية، وما تبثه وسائل الاتصال وكثير من القنوات، مما فيه تزيين للباطل، وما أوقعهم في ذلك إلا طغيان حب الدنيا على نفوسهم حتى آثروها على الآخرة، وهذا الداء هو الذي أودى بأمة الإسلام في عصورها المتأخرة إلى ما هي عليه الآن من ضعف وهوان، وتفرق ونزاع حتى تحكم الأعداء في كثير من قضاياها، واستحوذوا على كثير من خيراتها، واستولوا على بعض بلادها، وساموا بعض الشعوب المسلمة سوء العذاب، وألحقوا بهم أصنافا من النكال.

وإن ما يحدث الآن على أيدي اليهود الغاصبين، والشرذمة المفسدين، هو ضعفا من المسلمين، وهو ضعفا من أعظم أسبابه حال كثيرين من أمة الإسلام من الإقبال على الدنيا والزهد في الآخرة والإعراض عن طاعة الله ورسوله حتى ابتلينا بهؤلاء الأعداء الحاقدين، الذين استهانوا بنا، واسترخصوا دماءنا وحرماتنا، وهذا مصداق لما أخبر به صلى الله عليه وسلم عن وقوعه في الأمة، حين تقبل على الدنيا وتخلد إليها ويضعف تمسكها بدين الله، وتدع الجهاد في سبيل الله، حيث قال صلى الله عليه وسلم “إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم” رواه أبي داود، وقد وشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق.

كما تداعى الأكلة على قصتعها، قال قلنا “يا رسول الله، أمن قلة بنا يومئذ؟ قال أنتم يومئذ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل، تنتزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن، قال قلنا وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت” رواه أبى داود، وقيل أن ﺍﻟﺰﻫﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻳﺮﻳﺢ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﺒﺪﻥ، ﻭﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﻄﻴﻞ ﺍﻟﻬﻤﻮﻡ ﻭﺍﻟﺤﺰﻥ، ﻭقيل ﺃﻥ ﺑﺬﻝ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻣﺎ ﻓﻀﻞ ﻋﻦ ﺣﺎﺟﺘﻪ ﺧﻴﺮ ﻟﻪ، ﻭﺇﻣﺴﺎﻛﻪ ﺷﺮ ﻟﻪ ﻭﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﻔﺎﻑ ﻭﺃﺧﺒﺮ ﺃﻥ ﻋﺒﺎﺩ الله ﻟﻴﺴﻮﺍ ﺑﻤﺘﻨﻌﻤﻴﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﺈﻥ ﺃﻣﺎﻣﻬﻢ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻨﻌﻴﻢ، ﻓﻬﻢ ﻻ ﻳﺮﺿﻮﻥ ﺑﻨﻌﻴﻤﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻮﺿﺎ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻌﻴﻢ، ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭﻳﻮﻥ ﻳﺎ ﻋﻴﺴﻰ ﻣَﻦ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ الله؟ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﺧﻮﻑ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻭﻻ ﻫﻢ ﻳﺤﺰﻧﻮﻥ، ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻧﻈﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺑﺎﻃﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﺣﻴﻦ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﺟﻠﻬﺎ.

ﻓﺄﻣﺎﺗﻮﺍ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺨﺸﻮﻥ ﺃﻥ ﻳُﻤﻴﺘﻬﻢ، ﻭﺗﺮﻛﻮﺍ ﻣﺎ ﻋﻠﻤﻮﺍ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﺘﺮﻛﻬﻢ ﻓﺼﺎﺭ ﺍﺳﺘﻜﺜﺎﺭﻫﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﺳﺘﻐﻼلا، ﻭﺫﻛﺮﻫﻢ ﺇﻳﺎﻫﺎ ﻓﻮﺍﺗﺎ، ﻭﻓﺮﺣﻮﺍ ﺑﻤﺎ ﺃﺻﺎﺑﻮﺍ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺰﻧﺎ، ﺧﻠﻘﺖ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻓﻠﻴﺴﻮﺍ ﻳﺠﺪﺩﻭﻧﻬﺎ، ﻭﺧﺮﺑﺖ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻓﻠﻴﺴﻮﺍ ﻳﻌﻤﺮﻭﻧﻬﺎ، ﻭﻣﺎﺗﺖ ﻓﻲ ﺻﺪﻭﺭﻫﻢ ﻓﻠﻴﺴﻮﺍ ﻳُﺤﻴﻮﻧﻬﺎ ﻳﻬﺪﻣﻮﻧﻬﺎ ﻓﻴﺒﻨﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﺁﺧﺮﺗﻬﻢ، ﻭﻳﺒﻴﻌﻮﻧﻬﺎ، ﻓﻴﺸﺘﺮﻭﻥ ﺑﻬﺎ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻟﻬﻢ، ﺭﻓﻀﻮﻫﺎ ﻓﻜﺎﻧﻮﺍ ﺑﻬﺎ ﻫﻢ ﺍﻟﻔﺮﺣﻴﻦ، ﻭﻧﻈﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﺻﺮﻋﻰ ﻗﺪ ﺣﻠﺖ ﺑﻬﻢ ﺍﻟﻤﺜﻼﺕ ﻓﺄﺣﺒﻮﺍ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺗﺮﻛﻮﺍ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، وإن الناظر في حالنا في هذه الدنيا، يجد الاغترار بالدنيا ظاهرا على الجميع إلا من رحم الله، وإن الواجب على المسلم أن يتأمل حياته، وتقلبه فيها، وما هو مصيره غدا؟ ولقد حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من الدنيا والاغترار بها بقوله وفعله.

فقيل أنه نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء؟ فقال “ما لي وما للدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها” رواه الترمذى، فسبحان الله ما أعظمه من وصف يبين حقارة الدنيا وتسارعها، وأنه لا ينخدع بها إلا مغرور، الدنيا كلها كاستراحة تحت شجرة وقت القيلولة، وكأن الدنيا مثل الحلم حيث شبهها بالنوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.