بقلم / محمــــد الدكـــــروري
إن الأمن هو طمأنينة النفس وزوال الخوف، ويكون الأمن في مقابلة خوف العدو بخصوصه، والأمن يتعلق بالمستقبل، والأمن نعمة عظيمة، بل يكاد يكون من أعظم النعم لأن مقتضاه الأمن النفسي والطمأنينة والسكينة التي يستشعرها الإنسان، فيزول عنه هاجس الخوف، ويحس بالرضا والسعادة، والشعور بالأمن غاية في الأهمية، ومن ثم فقد جعله الله عز وجل نعمة جليلة، يتفضل بها على بعض خلقه، وجعل فقد هذا الأمن نقمة ينتقم الله بها من بعض خلقه العاصين أو الكافرين، ولكون الأمن ضروريا للحياة، قرنه الله بالطعام والأموال والأولاد في أكثر من موضع، بل قدمه عليها في مثل قوله تعالى فى سورة البقرة ” ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين” فتأمل كيف بدأ بضد الأمن وهو الخوف ؟ لأن الحياة بدون أمن وأمان قاسية مرة، بل شديدة المرارة، لا يمكن أن تطاق.
وإن الإسلام جاء ليجعل من المجتمع مجتمعا متماسكا متراصا كالبنيان المرصوص، كما قال النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم ” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين اصابعه ” رواه البخاري، وإن الإسلام جاء لحل كل مشكلة، ومحاربة كل جريمة، وجاءت الحدود في هذه الشريعة ردعا لأصحاب النفوس المريضة، وكانت الحدود رحمة من الله تعالى للأمة، وكان القصاص حياة لأولي الألباب، وكان قطع اليد وقاية لأموال الناس، وكان الجلد والرجم حماية لأعراض العالم، فإن السرقة هي أخذ المال على وجه الاستتار أي خفية، وكما أن له تعريف محدد في الشريعة الإسلامية حيث أنه يختلف عن الحرابة، وهو أخذ مكلف مالا محترما لغيره نصابا أخرجه من حرزه خفية، ولا شبهة له فيه، وإن حد السرقة في الإسلام هو عقوبة محددة، بالشرع الإسلامي بسبب السرقة وهي أخذ المال خفية من حرز المثل، بشرط أن يكون السارق مكلفا.
وأن يسرق من المال قدر نصاب وأن يسرقه من مكان محروز بحرز المثل، وألا يكون للسارق فيه ملك أو شبهة ملك، وأن تثبت السرقة بالبينة الشرعية، عند القاضي الشرعي، بعد الرفع إليه، وهو وحده المخول بإقامة حد السرقة، وهو قطع اليد اليمنى من الرسغ، وعلى مر الزمان والعصور تحدث الفتن والأزمات ولكن الأزمة الأخطر هي أزمة القيم والأخلاق، والتي تظهر بين الناس في وقت الشدائد والفتن والصراعات والحروب، فتظهر الشحناء والبغضاء والكراهية، والحسد والتفرق وحب الذات والتي تظل آثارها طويلة في حياة الأفراد والمجتمعات، ونتائجها سيئة، وتحتاج لمعالجتها الجهود الكبيرة بعد توفيق الله ورعايته، وقد أخبرنا النبي الكريم صلي الله عليه وسلم أنه رأى في جهنم سارقا بل سارقين، فيما رواه النسائي رحمه الله في حديث الكسوف المشهور الذي رواه الأئمة في مصنفاتهم، عن عبد الله بن عمرو قال.
“كسفت الشمس على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فأطال القيام، ثم ركع، فأطال الركوع، ثم رفع فأطال، في السجود أيضا نحو ذلك، وجعل يبكي في سجوده، وينفخ ويقول رب لم تعدني هذا وأنا أستغفرك، لم تعدني هذا وأنا فيهم، فلما صلى قال عرضت علي الجنة حتى لو مددت يدي، تناولت من قطوفها، وعرضت علي النار فجعلت أنفخ خشيت أن يغشاكم حرها” رحمة من النبي صلي الله عليه وسلم ” فجعلت أنفخ خشيت أن يغشاكم حرها، ورأيت فيها سارق بدنتي رسول الله صلي الله عليه وسلم ورأيت فيها أخا بني دُعدع سارق الحجيج، فإذا فطن له قال هذا عمل المحجن”يأخذ محجنه يطوف حول البيت، ويعلق هذه العصا المكوفة بمتاع الحاج، فإذا فطن له قال آسف، هذا تعلق بمحجن، وإذا لم يفطن له ذهب به، سارق الحجيج، عصابات السراق الذين يأتون إلى الحجيج يسرقون الحجيج في موسم الحج.
وينظمون ذلك، لا يتركون حرما، ولا مسجدا آمنا، ولا عباد الله العباد الحجاج، هذا كان في النار رآه النبي صلي الله عليه وسلم، وفي الإسلام، دعوة للمسلم لاحترام أموال الآخرين، وحفظها وصيانتها، وأن هذا من الضروريات التي دعا إليها، فأموال المسلمين يحرم التعدي عليها إتلافا واغتصابا، سرقة وغشا وخيانة، ولأجل هذا حرمت سرقة أموال المسلمين، وجعلت السرقة كبيرة من كبائر الذنوب، وجريمة من الجرائم الأخلاقية التي لا يتصف بها ذو دين صحيح، واستقامة على الخير، ومن جملة الظلم أكل أموال الناس بالباطل، والسرقة التي تفشت في المجتمع، وهي سبب لاضطراب المجتمع ولنفي الأمان عنه، وتجعل المجتمع في حالة قلق واضطراب، وربما أن تؤدي جريمة السرقة إلى جريمة سفك الدماء، لأن السارق حين يأخذ هذا المال فإنه يأخذ ثمرة جهد هذا الإنسان ربما خلال أعوام عديدة تعب فيها لجمع هذا المال، ولتكن أيدينا أمينة.
فإن كان أمينة كان ثمينة، وإلا إذا خانت اليد صارت هينة وتقطع، هل تعلم أيها السارق بأنك لو كنت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو في ظل من يقيم حدود الله عز وجل وسرقت قطعت يدك لتعرف بين الناس بأنك أنت السارق؟ والنبي صلى الله عليه وسلم ما عرف هوادة في مسألة السرقات على الإطلاق.