القيم والمجتمعات الإسلامية


بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الحروب المعاصرة ضد الإسلام صنعت للإسلام دعاية إعلامية واسعة النطاق في أرجاء العالم، ومع التطور الإعلامى الحديث بدأ من لا يعرف الإسلام حينما يتابع مجريات الأحداث الدولية الساخنة وهو يرى الغرب وحلفاءه يحاربون الإسلام والمسلمين، بدأ يقرأ عن الإسلام ويهتم بالبحث عنه، وهذا أدى إلى قلق المحاربين للإسلام لأن الناس عرفوا الإسلام وأنه هو الحق الذى غاب بل وغيّب عنهم كثيرا، وإن وصل إليهم شيء عنه فى صورة مشوهة، فالإسلام شرع يتغلغل في أعماق دول الكفر، ويسيح فيها سيحان النهر الجارى الذى لا يصده شيء، ويسرع إسراع الغيث استدبرته الريح، ولقد كانت هذه القيم وغيرها مغروسة في أجيال السلف الصالح قولا حكيما وفعلا ممارسا من حياة النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت مصابيح تربوية في ليله ونهاره وصبحِه ومسائه، فقد أضاءت سيرته الطريق لأجيال الصحابة.

فتشربوا القيم الخالدة، حتى غدت نفوسهم زكية وعقولهم نيرة، وغيروا بذلك الدنيا وأصلحوا الحياة، ولم يعرف الخلق منذ النشأة الأولى مجتمعا تجلت فيه القيم بأسمى معانيها مثل المجتمعات الإسلامية، وإن الدعوة الإسلامية رسخت القيم، فانتشرت بالقيم، وتغلغلت في النفوس بما تحمل من قيم، شملت مختلف جوانب الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصادية والفكرية، منظومة متكاملة لا يمكن فصلها، وإن لدينا من الفضائل والقيم، ما لو أحسنا عرضها للآخرين وامتثلناها في حياتنا لكان لنا السمو والريادة، وأسهمنا في نشر الإسلام قيما ومثلا مشرقة، تظهر الأيام عظمة القيم في الإسلام، فهذه الأمم اليوم تترنح ويتوالى الانهيار منذ فجر التاريخ، تنهار الأمم لضمور المبادئ وهشاشة القيم التي أقيمت عليها، وتقف أمة الإسلام شامخة بإسلامها، قوية بإيمانها، عزيزة بمبادئها لأنها أمة القيم والمثل والأخلاق.

وإن من العجب أن مبادئ حقوق الإنسان التي طالما صدّرها الإسلام للناس يعاد تصديرها إلينا علي أنها كشف إنساني ما عرفناه يوما، ولا عشنا به دهرا” ولقد كان ظهور هذه المبادئ منذ اندلاع الثورة الفرنسية شيئا جديدا في حياة الغرب، ولكننا كمسلمين نملك منذ أربعة عشر قرنا من الزمان، تراثا عامر الخزائن بالمبادئ الرفيعة والمُثل العُليا، ونخشى أن يجيء يوم يُصدّر الغرب إلينا فيه غسل الوجوه والأيدي والأقدام على أنه نظافة إنسانية للأبدان، فإذا قلت ذلك هو الوضوء الذي نعرفه، قال لك المتحذلقون المفتونون لماذا لا نعترف بتأخرك وتقدمه، وفقرك وغناه؟ وكما أهتم القرآن الكريم بالعقيدة والعبادة، كان له اهتماما كبيرا وعناية فائقة بالأخلاق والسلوك والمعاملات، فما من سورة من سوره إلا وتهدف إلى تربية الإنسان وتهذيبه وإصلاحه، وإن من سورة الآداب والأخلاق هى سورة الحجرات.

فهي مدرسة طيبة عظيمة جاءت بعظيم القيم الانسانية النبيلة، والسلوك العالية الكريمة، والاخلاق الطيبة العظيمة، ومن ذلك هو تحقيق الاخوة والاصلاح، بين الناس، اذ يقول جل وعلا ” إنما المؤمنون إخوه فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون” فالإسلام دائما حريص على إيجاد مجتمع متكافل متراحم يتآلف ابناءه ويتعاونون فيما بينهم على الخير والبر كأنهم جسد واحد، ولا شك أن من سبل تحقيق الاخوة، بل ومن سبل استمرارها ودوامها الاصلاح بين الناس اذا ما انقطعت هذه المودة والمحبة والالفة، فالإصلاح بين الناس قيمة عظيمة وخصلة كريمة، ومما يبين لنا مكانتها تأكيد القرآن الكريم عليها في غير موضع، والقرآن الكريم يؤكد على الاصلاح بين الناس حتى بين أنه من أفضل الكلام وخير الأقوال، فطوبى لمن يسعون في الاصلاح بين الناس، فكفى في فضله وعظيم أجره أن عده النبي صلى الله عليه وسلم من خير الصفات

وجليل الصدقات وعظيم الخصال وكريم الاعمال، إن الأدب الإسلامي خُلق يتخلق به المسلم، يقوده لكل فضيلة، وينأى به عن كل رذيلة، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم يروى عنه أنه أخبر أن إهانة الشيخ الكبير، والعالم، وذي السلطان، أن إهانتهم وعدم احترامهم دليل على ما في القلب من نفاق، فارفق بذي السن وأكرم ذا السن، أكرمه واحترمه وأعطه قدره، ألا ترى اللهَ عز وجل يرغبك في أبويك عند كبر سنهما، فكم من شيخ كبير إن تحدث في مجلس نظر إليه الشباب نظرة الازدراء والاحتقار، يرون كلامه غير صحيح، ويرون رأيه غير صائب، ويعدونه عبئا وثقلا عليهم، وما علموا أن هذا الذي أمضى عمرا في طاعة الله، وفي القيام بما أوجب الله أنه أفضل وأعلى منهم منزلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.