بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحديث النبوي الشريف هو بمثابة القرآن الكريم في التشريع الإسلامي من حيث كونه وحيا أوحاه الله تعالي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، والحديث والسنة مرادفان للقرآن في الحجية ووجوب العمل بهما، حيث يستمد منهما أصول العقيدة والأحكام المتعلقة بالعبادات والمعاملات بالإضافة إلى نظم الحياة من أخلاق وآداب وتربية، وقد اهتم العلماء على مر العصور بالحديث النبوي الشريف جمعا وتدوينا ودراسة وشرحا، واستنبطت حوله العلوم المختلفة كعلم الجرح والتعديل وعلم مصطلح الحديث وعلم العلل وغيرها، والتي كان الهدف الأساسي منها حفظ الحديث والسنة ودفع الكذب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتوضيح المقبول والمردود مما ورد عنه، وامتد تأثير هذه العلوم الحديثية في المجالات المختلفة كالتاريخ، وما يتعلق منه بالسيرة النبوية وعلوم التراجم والطبقات، بالإضافة إلى تأثيره على علوم اللغة العربية والتفسير والفقه وغيرها.
ويطلق على الحديث عدة اصطلاحات، فمنها السنة، والخبر، والأثر، فالحديث من حيث اللغة هو الجديد من الأشياء، والحديث الخبر، يأتي على القليل والكثير، والجمع أحاديث، فالحديث هو الكلام الذي يتحدث به، وينقل بالصوت والكتابة، والخبر هو النبأ، وجمعه أخبار، وهو العلم، والأثر هو بقية الشيء، وهو الخبر، والجمع آثار، ويقال أثرت الحديث أثرا أي نقلته، ومن هنا فإن الحديث يترادف معناه مع الخبر والأثر من حيث اللغة، أما اصطلاحا، فإن الحديث هو ما ينسب إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، من قول أو فعل أو تقرير أو وصف، والخبر والأثر لفظان آخران يستعملان بمعنى الحديث تماما، وهذا هو الذي عليه اصطلاح جمهور العلماء، ولكن بعض العلماء يفرقون بين الحديث والأثر، فيقولون أن الحديث والخبر هو ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأثر هو ما يروى عن الصحابة والتابعين وأتباعهم، والخبر ما جاء عن غيره.
وقيل أن بينهما عموم وخصوص مطلق، فكل حديث خبر وليس كل خبر حديثا، وإن السنة في اللغة هي السيرة، والطريق القويم، وقد وردت في القرآن الكريم بمعنى الطريقة المتبعة، وكلمة السنة إذا أطلقت فهي تنصرف إلى الطريقة المحمودة، وقد تستعمل في الطريقة المذمومة ولكنها تكون مقيّدة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم “من سن في الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فعمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء” فالسنة هنا ضد البدعة، والبدعة هي طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشريعة، وهي ما أحدث مما ليس له أصل في الشريعة يدل عليه، وقد قال أبو منصور الهروي الأزهري، بأن السنة هى الطريقة المحمودة المستقيمة، وقال الشاطبي، ويطلق لفظ السنة في مقابلة البدعة.
فيقال فلان على سنة إذا عمل على وفق ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم، كان ذلك مما نص عليه في الكتاب أو لا، ويقال فلان على بدعة إذا عمل على خلاف ذلك” وقال ابن رجب الحنبلي ” السنة هي الطريق المسلوك فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون، من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه هي السنة الكاملة ” ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي، عضوا عليها بالنواجذ” وقال صلى الله عليه وسلم ” فمن رغب عن سنتي فليس مني ” ففيما يتعلق بمصطلحي الحديث والسنة، فإنهما يجتمعان في مواضع، ويفترقان في مواضع أخرى، فإن ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، من قول أو فعل أو تقرير يطلق عليه “حديث” كما يسمى أيضا “سنة” ويقول الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع ” السنة في المعنى الأُصولي مساوية للحديث.
بالتعريف المتقدم عن أهل الحديث، دون قيد أو صفة، واستثناء الصفة النبوية الشريفة من جملة السنن إنما وقع من أجل أن محل الكلام في السنة هو اعتبار كونها من مصادر التشريع، وهذا لا يندرج تحته الأوصاف الذَاتية، وإنما يستفاد من الأقوال والأفعال والتقريرات النبوية” وكذلك فإن كتب الحديث تسمى أيضا بكتب السنة، كما أن أهل الحديث هم أيضا من أهل السنة، فإذا اطلق لفظ السنة في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلا، ولهذا يقال في أدلة الشرع، الكتاب والسنة، أي القرآن والحديث، أما بالنسبة لمواضع الافتراق، فإنه يطلق على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، المجمل الثابت في جميع شؤونه “السنة” أي طريقته ومنهجه وصراطه، ولا يطلق العلماء غالبا ههنا مصطلح “الحديث” يقول العلامة سيد سليمان الندوي الهندي ” الحديث كل واقعة نسبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو كان فعلها مرة واحدة في حياته الشريفة ولو رواها عنه شخص واحد، وأما السنة فهي في الحقيقة اسم للعمل المتواتر، أعني كيفية عمل الرسول صلى الله عليه وسلم المنقولة إلينا بالعمل المتواتر، بأن عمله النبي صلى الله عليه وسلم، ثم من بعده الصحابة، ومن بعدهم التابعون، ولا يشترط تواترها بالرواية اللفظية، فطريقة العمل المتواترة هي المسماة بالسنة، وهي المقرونة بالكتاب في قوله صلى الله عليه وسلم “تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله تعالى وسنة رسوله” وهي التي لا يجوز لأحد من المسلمين كائنا من كان تركها أو مخالفتها وإلا فلا حظ له في الإسلام” وقد اختلف معنى السنة في اصطلاح المشرّعين حسب اختلاف اختصاصاتهم، فهي عند الأصوليين والفقهاء غيرها عند المحدثين، فعند الأصوليين والفقهاء، فتستعمل للدلالة على فيما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، من غير وجوب، وهي حكم من الأحكام الخمسة.
الواجب، الحرام، السنة، المكروه، المباح، مثال ذلك صلاة ركعتين بعد المغرب فاستعمال الفقهاء مصطلح “سنة” في بيان حكم استحباب فعل معين، ولا يستعملون مصطلح “حديث” وتستعمل في مقابل كلمة البدعة، كقولهم طلاق السنة كذا، وطلاق البدعة كذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” إذن، فعلماء الفقه في استعمالهم للحديث ولمصطلح السنة، فإنما بحثوا عن حكم الشرع في أفعال العباد، مستدلين بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، من سنة قول أو فعل أو تقرير، كما يسمي العلماء الالتزام بالقدر الوارد في الشريعة وعدم الزيادة والابتداع في الدين بالسنة، ولا يسمون ذلك بالحديث، ومنه مقولة عبد الرحمن بن مهدي المشهورة بأن ” سفيان الثوري إمام في الحديث، وليس بإمام في السنة، والأوزاعي إمام في السنة، وليس بإمام في الحديث، ومالك بن أنس إمام فيهما جميعا”
وحين يتكلم العلماء على الروايات تصحيحا أو تضعيفا إنما يستعملون مصطلح الحديث، ولا يستعملون مصطلح السنة، فيقولون هذا حديث ضعيف، ولا يقولون هذه سنة ضعيفة، أما عند المحدثين، فالسنة مرادفة للحديث، وهي كل ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، من أخبار وأقوال وخلق وشمائل وأفعال سواء أثبت المنقول حكما شرعيا أم لا، والصلة بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي عندهم واضحة، لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله وتقريره طريقة متبعة عند المسلمين لا يجوز الحياد عنها، ودليله ما جاء في القرآن الكريم فى سورة الأحزاب ” وما كان لمؤمن ولا مؤمنه إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ” وهنالك بعض الأحاديث الشريفه التي تدل على أن هذا المعنى الاصطلاحي، قد استعمل من قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فمن هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم ” تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما، كتاب الله وسنتي “