بقلم / محمــــد الدكــــروري
لقد جعل الإسلام الأساس في الاختيار ممن ترضون دينه وخلقه حتى يُبنى البيت على أساس سليم متين، وقال رجل للحسن البصري رحمه الله ممن أزوج ابنتي؟ قال الحسن زوج ابنتك ممن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وأن أبغضها لم يظلمها، فصاحب الدين إذا أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها، ولا يسيء معاملته لزوجته ولا لأبنائه، وإذا كانت طبيعة الإنسان تهوى الجمال فليس من الممكن أن يقف الإسلام حائلا بين طبيعة الإنسان واختياره، إلا أن هذا الإعتبار يجب أن لا يتعارض مع الدين فلا خير في امرأة أو رجل امتلكا الجمال والوسامة مع فساد دينهما، وقد حذر الإسلام من الإفتتان بالظواهر مع فساد البواطن في أكثر من مناسبة، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة البقرة.
” ولا تنكحوا المشركات حتي يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتي يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنة ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون” وكذلك فإن هناك معايير أخرى لا بأس من مراعاتها وهو التقارب في السن، فالنفس تأنس بالنظير والشبيه، فكلما كان السن متقاربا كان أدعى إلى التفاهم، ولا يفهم من هذا حرمة أن يكون فارق كبير في السن، إلا أن هذا من قبيل الإرشاد لا غير، وقد خطب كل من أبي بكر وعمر فاطمة الزهراء رضي الله عنهم، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أجابهما بأنها صغيرة، ولكن عندما خطبها علي رضي الله عنه زوجه صلى الله عليه وسلم منها وذلك لتقاربهما في السن، وكذلك التقارب في التحصيل العلمي، فكلما كان الزوجان متقاربين علميا كان ذلك سبيلا إلى انسجامهما.
فقد قال تعالى فى سورة الزمر ” قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب” وإن السؤال في الآية للإنكار والمعنى أنهم لا يستوون، والآية في سياق التفريق بين من يعلمون حق الله عليهم فيطيعونه ومن لا يعلمون حق الله عليهم فيعصونه، وهي عامة في كل مناحي الحياة وهو ما عرفه البشر بتجاربهم أنه لا يستوي من يعلم ومن لا يعلم، وعدم التساوي يؤدي إلى التباين في الفهم وتقدير الأمور مما ينعكس سلبا على حياة الزوجين، فمراعاة هذا الأمر في البداية هو أفضل مع كونه ليس واجبا، وكذلك أيضا التقارب في المستوى الإجتماعي ونعني بذلك أن يخطب الرجل الفتاة من بيئة كبيئته من حيث مستوى المعيشة، لأن إختلاف طبيعة الحياة على الزوجة خاصة له أثر كبير بعدم ديمومة الحياة الزوجية، فالفتاة التي تعيش في كنف أبيها الثري الذي يلبي لها كل ما تطلبه، قد يصعب عليها العيش.
في ظل زوج فقير لا يلبي لها الحد الأدنى من حياتها المعتادة، وكذلك يجب مراعاة جانب الطبائع والمزاج، وعدم مراعاة هذا الجانب كان سببا في هدم أسر قائمة، وفي حديث فاطمة بنت قيس، رفض النبي صلى الله عليه وسلم زواجها من أبي جهم لحدة طبعة وعنفه، وهو ما يسلط الضوء على هذا الموضوع، فكثير من الناس لا ينتبه لهذا، ولذلك يقولون إن فلانا صاحب خلق ودين وتزوج من فلانة وهي كذلك صاحبة خلق ودين لكنهما لم يتفقا، وانتهى الأمر بهم إلى الطلاق، ولا يخفى أن السبب في فراقهما هو الإختلاف في طبائعهما ونظرتهما للحياة، ونحن نعرف أن الإسلام لا يفرض على الناس أسلوبا عسكريا محددا في نظرتهم للأمور، وفي رتابة عيشهم، لذلك تجد الناس مختلفين، وصدق الله تعالى إذ يقول كما جاء في سورة هود ” ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحده ولا يزالون مختلفين”
لهذا السبب نولي الأهمية في قضية معرفة طبائع الشخص قبل الموافقة عليه، وكما يجب مراعاة المزايا الجسدية والبنيوية في كلا الخاطبين، فقد أعجبت ابنة الرجل الصالح بموسى عليه السلام لما رأت من أمانته وقوته فاقترحت على أبيها استئجاره، حيث قال تعالى في سورة القصص ” قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين” والرجل الصالح لم يتردد أن يخطبه لإبنته، فقال له كما ذكرت الآية الكريمة ” قال إني أريد أن انكحك إحدي ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين” وكذلك أيضا فعلت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها لما رأت من كمال أخلاقه وحسن بنيانه صلى الله عليه وسلم فقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال.
“إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل، قال فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها وفي رواية وقال جارية من بني سلمة، فكنت أتخبأ لها تحت الكرب، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها ، فتزوجتها” .