بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن فعل الخير من أخص خصائص المجتمع الإيماني، وإن فعل الخير هو استسلام لأمر الله سبحانه وتعالى، فيقول الله تعالى كما جاء فى سورة القصص ” وأحسن كما أحسن الله إليك” وكما هو أمر قرآني وهو أن يقابل الإنسان إنعام الله تعالي عليه بالمال أو بالصحة، أو بالوقت، بالإحسان على الآخرين، وتقديم الخير لهم، سواء بالمال، أو بالمشورة الصادقة، أو بالمواساة، وإن فعل الخير يعطي الخيرية لأصحابه، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة البينة ” إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البريه” ومن الخصائص الإيمانية هو إغتنام الفرص وإعتنام مواسم الخيرات وكان سعيد بن جبير رحمه الله إذا دخلت العشر اجتهد اجتهادا حتى ما يكاد يقدر عليه، وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا.
وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه، وممشاه تلك الأيام جميعا، وأيضا من الفضل والثواب هو شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها بأنها أفضل أيام الدنيا، فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال” أفضل أيام الدنيا أيام العشر” ويعني عشر ذي الحجة، قيل ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب” رواه البزار وابن حبان، وقال صلى الله عليه وسلم “أفضل أيام الدنيا أيام العشر” ولذلك فإن العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالي منه في بقية العام، وقال ابن كثير وبالجملة فهذه العشر أفضل أيام السنة كما نطق به الحديث، وفضلها كثير على عشر رمضان الأخيرة لأن هذا يشرع فيه ما يشرع في ذلك من صلاة وصيام وصدقة وغيره، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه، وسُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أيهما أفضل عشر ذى الحجة أم العشر الأواخر من رمضان؟
فأجاب أيام العشر من ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، وقال ابن القيم رحمه الله وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافيا كافيا، فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذى الحجة وفيها يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية، أما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإحياء التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحييها كلها وفيها ليلة خير من ألف شهر، ونخلص من ذلك أن أيام العشر من ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، لاشتمالها على يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة لاشتمالها على ليلة القدر، وإن من الفضل والثواب أنها من جملة أربعين موسى عليه السلام، وهي العشر المذكورة في قوله تعالى “وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة”
وقال ابن كثير بأن الأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة وعشر ذي الحجة، وقال بذلك مجاهد، ومسروق، وابن عباس وابن جريج، وغيرهم، وعن جابر رضي الله عنه قال “وأتممناها بعشر” قال هى عشر الأضحى، وعن مجاهد قال ما من عمل من أيام السنة أفضل منه في العشر من ذي الحجة، قال وهي العشر التي أتممها الله عز وجل، لموسي عليه السلام، ومن الفضل والثواب أنها ضمن أيام الأشهر الحرم، وأن الله أكمل فيها الدين وأتم علينا النعمة، ففي يوم عرفه كمل الدين وكأن الله جعل عيد الفطر لبداية نزول القرآن في رمضان، وعيد الأضحى لإكمال الدين في فريضة الحج، فكان نزول القرآن بداية ونهاية مقرونا بفريضتين عظيمتين هما الصيام والحج وعيدين سعيدين هماعيد الفطر والأضحى، ومن الفضل والثواب اجتماع أمهات العبادة فيها، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري.
والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك في غيرها وقال الإمام أبو حنيفة جعلت أفاضل بين العبادات، كلما تتبعت عبادة وجدت لها أفضلية فأقول هي الأفضل فلما تتبعت الحج وجدته أفضلهم لاشتماله على جميع العبادات كلها، ومن الفضل والثواب أن فيها يوم عرفة ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلا، وقد جاءت أحاديث كثيرة في فضل يوم عرفة وصيامه وهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيه، منها حديث السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء” رواه مسلم، وعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال “ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذلك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب، لذلك يتأكد صوم يوم عرفة، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عن عرفة” أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” رواه مسلم، وإن من الفضل والثواب أن فيها يوم النحر، وهو أفضل أيام السنة عند العلماء، فقال صلى الله عليه وسلم “أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر” رواه أبو داود والنسائي، ويوم القر، هو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة، وسمي بذلك لأن الناس يقرّون فيه بمنى، وقال ابن القيم خير الأيام يوم النحر، ثم يوم القر، وفيها الركن الخامس من أركان الإسلام وهو الحج، وما أدراك ما الحج؟ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه”