بقلم/ محمـــد الدكـــروري
إذا كان الإيمان غريزة في القلوب والتعلق فطرة فطر الناس عليها، فما هو الطريق الأفضل، وما هو الشئ الذي يريح النفس، ويهدئ من ثائرتها، ويقضى على المشكلات التي تعترضها؟ فإن ذلك لابد أن يكون شيئا عمليا تتجاوب فيه الأحاسيس مع الوجدانيات، وتتعاطف فيه الحواس مع الأعمال، ويكون فيه انسجام بين المعقول والمنقول، وبين الأخذ والمأخوذ منه، وهذا كله لا يتأتى في علاقته بأوهام، ولا بمعبودات، غير مستقرة لا تنفع أو تدفع عن نفسها شيئا، ولذا جاء وصف الله عز وجل لحوار الخليل إبراهيم عليه السلام الذي يدعو للإيمان عقيدة وعملا، بمقارنته بين آلهتهم التي أشركوها مع الله، في عمل لم ينزل الله به سلطانا، وبين الرابطة مع الله الذي تطمئن بذكره القلوب، وترتاح بالتوكل عليه هواجس النفس، بحيث تبتعد عن المؤثرات عليها.
فقد جاء الوصف لذلك بأن هذه حجة قوية على قومه، حيث لم يجدوا لذلك جوابا، إذ لا شك أن الأمن مع الإيمان بالله، وراحة الضمير مع عقيدة الوحدانية به سبحانه وتعالى، وإن الإيمان هو التصديق والاطمئنان، وهو الإيمان بالله عز وجل، والإيمان بملائكته، والإيمان بكتبه، والإيمان برسله، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره، فهذه الأمور الستة هي التي عليها مدار النفس وتفكيرها، في حاضرها ومستقبل أمرها، في شئون الحياة الدنيا، وما يصلح الأموال فيها، وفي المستقبل المنتظر حدوثه في هذه الحياة الدنيا، أو ما يحصل بعد الموت وعند البعث والنشور، فالقرآن الكريم قد أعطى هذا الجانب اهتماما كبيرا، لما له من أثر في توطين النفس البشرية على الرضى والاستسلام، والترقب والاهتمام، وفق منطلق عقدي.
جعل له التوجيه الإسلامي قاعدة متينة يرتكز عليها، وسندا قويا يدعمه، لتشد بذلك جوانب النفس حتى لا تنحرف أو تزيغ، وإذا كانت النفس البشرية في عصرنا الحاضر الذي تقاربت فيه الشعوب، وتداخلت الثقافات، وقد دهمها الاضطراب، بحيث أصبح القلق يؤرقها في كل شيء، فهي تخاف من بعضها البعض، وهي تخاف من كوارث الحياة، ريحا أو مطرا أو أعاصير أو ثلوج، وهي تخاف من الأمراض المتعددة والأوبئة، وخاصة ما يظهر جليّا في وسائل الإعلام منذ عامين عن المرض القاتل وكما كانت تخاف من السرطان وغيره، وهي تخاف وتضطرب من أمور كثيرة ومتعددة لا يمكن حصرها، حتى أصبح الخوف والقلق سمة من سماتهم، وانتشر تبعا لذلك الانتحار، والرغبة من الخلاص من هذه الحياة، وما ذلك إلا من نقص الإيمان في قلوبهم.
وضعف الوازع العقدي المرتبط بالله وبدينه الذي رضيه لعباده، ذلك الوازع الذي يجعل النفس تؤمن بقضاء الله وقدره، بدون تسخط أو تأفف وتحتسب الأجر فيما تتحمله النفس عند الله مدّخرا في يوم الجزاء والنشور، عندما يحصّل ما في الصدور، ويؤكد هذا المعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال “يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وأعلم أنما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك” رواه الترمذي، والله سبحانه وتعالى يسوق الكوارث على البشر في حياتهم الدنيا، لينبه النفوس من غفلتها، وليعيدها إلى خالقها، ويربطها بموجدها، ويذكرها به كلما بعدت.
وهذا هو الإيمان بالله وبكتبه وبرسله، وهو معرفة الحق المطمئن، الذي جاء من عند الله، إيمانا به، واعتقادا بأنه من عند الله سبحانه وتعالى فقال تعالى ” ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون” فإذا كانت هذه البلوى في نزول المصائب على النفوس المؤمنة، من أجل أن يقوى إيمانها، وتستعين به على الصبر والتحمل في مجابهة ما ينزل من بلوى، فإن هذا من ترسيخ الإيمان، والاطمئنان بتمكينه.