بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن حاجة المجتمع للتربية تظهر من خلال الاحتفاظ بالتراث الثقافي، ونقله إلى الأجيال الناشئة بواسطة التربية وكذلك تعزيز التراث الثقافي وذلك من خلال تنقيته من العيوب التي علقت به، والتربية هنا قادرة على إصلاح هذا التراث من عيوبه القديمة مع المحافظة على الأصول، وكانت العائلة هي أهم وسائط التربية عند العرب خاصة البدو منهم وقد تشارك العائلة في التربية وأهم ما يتعلمه البدوي الصيد والرماية وعمل الآنية ودبغ الجلود وغزل الصوف وحياكة الملابس وتربية الماشية وكانت وسيلة التربية في تعليم ذلك هي المحاكاة والتقليد أو طريقة النصح والإرشاد والوعظ والتوجيه من كبار السن أو الوالدين أو الأقارب وقد عرف البدو أنواع المدارس الكتاتيب وكانوا يتعلمون بها القراءة والكتابة والحساب، أما الحضر فكانت تربيتهم تهدف إلى تعلم الصناعات والمهن كالهندسة والطب والنقش والتجارة بأنواعها.
وكانت لديهم المدارس والمعاهد إلا أن هدف التربية العربية الأسمى كان بث روح الفضيلة وغرس الصفات الخلقية كالشجاعة والإخلاص والوفاء والنجدة عند الحاجة وكرم الضيافة، ولم تحتل التربية مكانا نافذا في أي عهد من العهود كما تحتله اليوم وإن الاهتمام بالتربية والعملية التربوية قد ازداد في العصر الحاضر ونتيجة لذلك تميزت التربية في العصر الحاضر عن غيرها بأنها متقدمة على التعليم وقد أصبح الطفل أو الإنسان الفرد هو محور التربية وأهتمت التربية بالفرد كإنسان لكي يحقق نموه الإنساني ولكنها لم تهمل الجانب الاجتماعي والتكيف مع الجماعة التي يعيش بينها، كما تعاونت التربية مع علم النفس لتقديم ما يناسب كل فرد على حده وتعاونت مع علم الاجتماع لكي تطبع الإنسان بطباع المجتمع الذي يعيش فيه، وقد أصبحت التربية الحديثة ميدانية حياتية تعتمد على المواقف والممارسات اليومية .
وطرحت التطبيق العلمي لمواجهة الحياة المتغيرة كما تم الاهتمام بعالمية التربية وذلك بالتوسع في الهدف التربوي من التكيف مع المجتمع المحلي إلى التكيف مع المجتمعات عامة أو التكيف مع الثقافة الإنسانية وأصبح الهدف التربوي هو إعداد الإنسان الصالح لكل مكان وليس المواطن الصالح لوطنه فقط كما أنه تم استعمال الأساليب الجديدة وذلك باستعمال الأدوات والأجهزة والمخترعات الحديثة في العملية التربوية وتسخير تلك الأدوات للتقدم والتطور الإنساني، وإن الغيور ليتساءل ؟ كيف لأب أنيطت به أمانة عظيمة ينام قرير العين ويكتحل بالنوم ملء جفنيه، وأبناؤه خارج منزله، بل ربما بناته وزوجاته ؟ فقولوا لي بربكم أي أب هذا؟ وأي تربية تلك ؟ ألا ترون أن ذلك الأب يحتاج إلى أدب وتربية، بلى، فلا بد من رعاية الشباب والناشئة حتى يكونوا نواة صالحة لدينهم ومجتمعهم، ولبنة بناء لعقيدتهم وأمتهم، فاتقوا الله أيها الناس.
واحفظوا وصية الله لكم في الأولاد وتذكروا موقفكم يوم المعاد فأنتم مسؤولون عن انحراف الشباب ومحاسبون عن تربيتهم أمام رب الأرباب، ولقد كان الطفل المسلم ينشأ في المجتمع الأول وسط مجموعة تدين لله بالاستقامة، فيرى قدوات أكثر من الكلام، الآن الطفل لو حصل على شيء منا سيحصل على توجيهات وكلام، لكن القدوة قليلة، ولذلك لا ينشأ أولادنا في استقامة كبيرة، ولا ينشئون في نفسيات إسلامية ونشأة صحيحة بسبب أن الوسط الذي هم فيه البيئة في البيت في المدرسة في الشارع لا تساعد على الاستقامة، الآن البيئة تساعد على الانحراف ولذلك لابد أن ندرك الفرق بين البيئة التي يعيش فيها الولد الآن، والبيئة التي كان يعيش فيها الولد أيام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وابن عباس غلام صغير، قال ” بتُ عند خالتي ميمونة، انتبه الولد في الليل أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قام وتوضأ وقام يصلي الليل.
فقال ابن عباس، الولد عنده قدرة على المحاكاة والاتباع، قام وتوضأ مثلما توضأ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وقام عن يساره، فأداره فجعله عن يمينه، وإذا نعس أخذ بأذنه، فصلى بجنب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ونشأ الولد من صغره على قضية قيام الليل لأنه رأى نموذج واقعي بدون تمثيليات وبدون إملاءات وكلام، وإنما رأى عملا أمامه، فقلده وحاكاه، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم انتهز فرصة أن ابن عباس وراءه ذات يوم، فقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم” يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، أو وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله ” رواه أحمد.