ألكسندر دوغين.. ملهم بوتين ومحرك غزو أوكرانيا


بقلم / د. محمود محمد علي

ألكسندر دوغين يصفه الكثيرون بمحرك غزو أوكرانيا ، ومعجب بشخصية ترامب ويري بوتن زعيما مطلقا ، وأكبر داعم لاحتلال وقصف روسيا .. من أغرب أطروحاته ” الله ضد الإنترنت” .. يدعي أنه العقل المدبر لبوتن ، وهو القائل ” أنا منظر وبوتن مطبق لأفكاري في روسيا يوجد بوتن وأنا والشعب ، وهناك من هم أقرب مني لبوتن لكن تأثيرهم عليه صفر” .. ولهذا السبب يثال عنه أنه أستاذ بوتن وملهم أفكاره .. قيل عنه بأنه شخص غامض .. يتحدث تسعة لغات .. يكره الليبرالية ..وضعته أمريكا على لائحة العقوبات
وألكسندر دوغين من مواليد 1962م ، لعائلة روسية والأب فيها يعمل جنرالا في الاستخبارات السوفيتية والأمم تعمل طبيبة .. ترك والده الأسرة عندما كان في الثالثة من عمره ، لكنه حرص على منحه مستوي معيشي جيدا وساعده على الخروج من المشاكل مع السلطات في بعض الأحيان .
في عام 1979 التحق ألكسندر دوغين بمعد موسكو للطيران لكنه قرر ترك دراسته في الطيران والالتحاق بكلية الفلسفة ليتخرج بماجستير في الفلسفة قبل أن يحصل على شهادتي الدكتوراه : احداهما في علم الاجتماع ، والأخرى في العلوم السياسية ، وهو الأن أستاذ علم اجتماع في جامعة موسكو الحكومية .
وفي السنوات التي سبقت تفكك الاتحاد السوفيتي في ثمانيات القرن الماضي اعتبر ألكسندر دوغين نفسه منشقا ومناهضا للشيوعية ومن ثم شارك في انتفاضات شعبية التي أدت إلي اسقاط بوريس يلتسين وقد شارك في الانتفاضة الشعبية ضده. وفي نفس الفترة قدم أخطر كتبه: «الخلاص من الغرب / الأوراسية». وعقب تخرجه عمل صحفيا قبل أن ينخرط في السياسة قبل سقوط الشيوعية مباشرة.
ومنذ 1991، تمكن من إلقاء محاضرات داخل الأكاديمية الروسية لهيئة الأركان العامة، ثم تعاون مع مجلة وزارة الدفاع، ونشر الطبعة الأولى من أعماله، فاكتسبت أفكاره مكانة مهمة في الأوساط السياسية والعسكرية، وقد جذبت نظريات دوغين العسكريين الروس؛ لأنها قدمت لهم تفسيرًا لموقف الغرب من روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، واستمرار التهديد الغربي بعد تفكك الاتحاد، رغم بوادر تحول روسيا إلى ليبرالية، تسمح بصعود سياسيين يعملون على دمج الدولة في الثقافة الغربية. و قدمت تفسيرا لاستمرار زحف الناتو على روسيا رغم تنازلاتها على الصعيدين العسكري والاقتصادي وقتها.
وفي نفس المرحلة كان بوتين قد صعد إلى السلطة السياسية، بمساعدة أطياف متعددة في روسيا، رأوا أن البلد في طريقها للانهيار، وكأغلب رجال السياسة والعسكرية في روسيا، تبنى بوتين نظريات ألكسندر دوغين علنًا، في خطابه السياسي وكذلك قراراته، وهو ما ظهر بشكل صريح في خطابه السنوي 2012 أمام الجمعية الفيدرالية في الكرملين، فكان الأمر شبه رسالة مشفرة للنخب بأن أفكار دوغين وصلت معه إلى السلطة.
وثمة نقطة مهمة جديرة بالإشارة وهي أن دوعين هو صاحب النظرية السياسية الرابعة المطالب بالبحث عن ايديولوجيا جديدة بعيدا عن الليبرالية والشيوعية والفاشية .. خصم بلاده هو تحالف أمريكا وكندا مع أوربا عبر المحيط الأطلسي .. مستشار لشخصيات سياسية وعسكرية في روسيا وخارجها.. منظر سياسي وروسي قومي متشدد ، وابن ضابط في الـ” كي جي بي” ، شارك في انتفاضة أسقطت بوريس يلتسين، ومع وصول بوتن إلى الرئاسة .. تحول دوغين من معارض إلى مدافع عن روسيا الجديدة .. يصف الروس بأنهم أصحاب النزعة الغربية ، وبأنهم طابور خامس يسعي لهدم “إصلاحات بوتن” ، ويري بأن غزو جورجيا وضم القرم واحتلال سوريا كلها إجراءات جيوسياسية تمليها الضرورة ، حيث كان إيمان دوغين كما يقول اميل أمين هو أن انهيار سوريا، سيولّد انهيارات متتابعة، ما يُطلق عليه “نظرية أحجار الدومينو” في الشرق الأوسط، وإتاحة الفرصة للفوضى غير الخلاقة لتعمّ وسط العالم، لينتقل إلى أوروبا مئات الآلاف أو بضعة ملايين من اللاجئين، هولاء بدورهم يشدون القارة العجوز سياسياً إلى الوراء، ما يبطل الطرح الأوراسي، ذلك الذي كادت مستشارة ألمانيا السابقة ميركل أن تؤمن به، بل وتسعى من أجله، عبر خط “نورد ستريم 2″، قبل أن تضع واشنطن العصا في دواليب روسيا وأوروبا.
آراؤه تؤحذ علي محمل الجد لدي صناع القرار في روسيا ، قيل عنه أنه العقل المدبر لضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا عام 2014 ، وقد طرد من معهد موسكو للطيران بسبب أفكاره المناهضة للسوفيت .. تتلمذ على يد العالم الإسلامي ” جيدر جمال” .. انشق عن السوفيت ، وأسس الحزب البلشفي .. لقل براسبيوتين روسيا الجديدة .. هكذا وصفوه .. من أقواله كتابه ” أسس الجيوبوليتيكا “تنبأ بالعديد مما قامت به روسيا .. والمصالحة مع طالبان خطوة يراها ضرورية لروسيا .
دوغين، الذي لمع اسمه في ظل فلاديمير بوتين، فيلسوف يطوّر عقيدة مدارها استثنائية روسيا. الرجل يسعى إلى مزيد من البوتينية بعد تحسينها، أي تقريبها أكثر فأكثر من أفكاره. الأهم أنه أراد لهذا العالم أن يكون توتاليتارياً، حيث الدولة تراقب أقوال الجميع وأفعالهم. يعارض حقوق الإنسان وكونيّتها وحكم القانون، ويعتبرها أفكاراً مُعادية صادرة عن غرب مُعادٍ. كثيرون ينظرون إليه كمهرّج، لكن كثيرين يحملونه على محمل الجدّ. في شبابه، إبّان العهد السوفياتي، طُرد دوغين من الجامعة، وكان معروفاً عنه إعجابه بالفلاسفة المناهضين للعقلانية والحداثة. لكنه كان أيضاً معجباً بهتلر.
ولهذا يعد ألكسندر دوغين من أهم منظري فلسفة القومية الروسية والطرح الأوراسي الذي تتبناه روسيا – بوتن ، والذي يعتبر المحرك الرئيسي وراء غزو أوكرانيا كما قلنا ، والمتابع لسياسة روسيا الخارجية خلال العقد الأخير يجد أن ألكسندر دوغين – ذلك الرجل الأشعث الذي ملأ عقل بوتن بفكرة استعادة أمجاد روسيا العظمي ، منذ البدايات وحتى غزو أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي 2022 .
كما يحظي ألكسندر دوغين بنفوذ سياسي فوي داخل أروقة الكرملين والدوما ، وفي المستوي الأكاديمي ، ويعد من أكبر المنظرين عن فكرة القومية الروسية ، وقد عمل في منصب مستشار رئيس مجلس الدوما ، وهو اليوم عضو فاعل في حزب روسيا الموحدة الحاكم ، وهو مؤسس الجبهة القومية البلشفية ، وحزب أوراسيا الروسي ، وفيلسوف بوتن الأشعث ، وهو من محبي التقاليد والروحية الصوفية ، ويتبني سياسة خارجية مفادها إعادة البناء الجزئي للاتحاد السوفيتي السابق ، ولكن ليس الشيوعية ، ضمن امبراطورية أوراسيا الشمولية .
ويقف دوغين ضد النظريات الكبرى الثلاث وهي الفاشية والماركسية والليبرالية لانها في رأيه تجسيد للحداثة التي يرفضها جملة وتفصيلا ،فالنظرية الأولى (الفاشية اجبرت المكونات الاجتماعية بطريقة قسرية على الانضواء في مشروع عنصري” والثانية (الماركسية فإنها ديماغوجية وتفتقد الرؤية المستقبلية وعادت تدور في نطاق التكيف مع مقولات الليبرالية مثل الحرية والديمقراطية..الخ) اما الثالثة (الليبرالية فحولت الفرد تحت شعار الحرية الى عبد للسوق وللسلعة)، وهو يرى في التقاليد” الدين والعائلة والتراث والتنوع العرقي..الخ” الأساس الذي يجب العمل على العودة له لبناء نظرية سياسية جديدة
وفي تلك النظريات يدافع دوغين عن الصالح العام، ذلك الذي ينضوي تحت ثقافات الأمم والشعوب، من دون عزل أو إبعاد، ومن غير إقصاء أو فوقية إمبريالية، يظهر أثر نظرية دوغين عن السياسة الرابعة، واضحاً في مطالبات بوتين بعالم متعدد الأقطاب، فيه الحضارات تتحاور وتتجاور، لا تتصارع كما حاول صموئيل هنتنغتون أن يقدم رؤية نبوية أبوكريفية منحولة.
فلسفة دوغين كما يقول اميل أمين تعني أن كل عنصر من عناصر الفرقة الكونية، يمثل جزءًا من لوحة فسيفسائية تتسع للعالم برمّته، ويمكن لها أن تتطور وتتشكل بصورة مستقلة وبناءة، على أسس من القيم السياسية والاجتماعية الخلاقة، وانطلاقاً من نظام راسخ في الجغرافيا الفلسفية، من خلال تقييم المناطق بشكل مستقل، وعلى اتصال دائم، مع حتمية التوافق مع هذا الكيان الوجودي.
يكاد يضحى دوغين صوت بوتين الصارخ في الداخل الروسي كما يقول اميل أمين ، لا سيما في مواجهة الأوليغارشيات التابعة للغرب، ولهذا يحذر من أن النزعة الغربية لا تزال تجد لها عبّاداً في الأوساط الروسية بصورة أو بأخرى، وعلى قناعة تامة بأن هولاء يشكلون ما يشبه الطابور الخامس الساعي لمقاومة ما يصفها بالإصلاحات التي تجري على يد بوتين، ويتهم بعضاً من المثقفين الروس بالانخراط في نزعة غربية تعرقل التوجه الخاص لروسيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.